في الأسبوع الماضي تناولت في هذه المساحة (قصة) بعنوان: «سطوة إمام الجامع»، وفي الواقع، لم يكن بعض الإخوة والأخوات القراء إلا متمسكين بفكرة واحدة: ألا وهي أن كل إمام جماعة أو (مطوع) بالنسبة إليهم هو (ملاك طاهر)! ومع أن (القصة) كانت تتحدث عن تجار الدين من الأئمة والدعاة المزيفين ووعاظ السلاطين، لكن للأسف، بعض الناس يعشقون حتى أولئك ويرفعونهم إلى منزلة التقديس… حتى وإن كانوا مجرمين.
على أية حال، كان هناك في المقابل طرف آخر من القراء أكثر واقعية، فقد كانوا يعترفون ويجزمون بوجود نماذج من الدعاة (على أبواب جهنم) وأئمة مساجد وجوامع وخطباء من مختلف المذاهب الإسلامية، يفعلون ذلك الفعل الشنيع! فالكثير منهم معروفون منذ زمن بأنهم أهل فجور ورذيلة وباطل، لكن الزمن والدعم وقربهم من السلاطين جعلهم في المقدمة لينكلوا بالأمة أشد التنكيل، وقد رأى بعض القراء أن من بين أولئك الوعاظ والأئمة من ليس هو أصلاً أهل دين وعلم، وإنما استخدموا الأساليب الملتوية وإضاف بعضهم حرف (د) قبل اسمه، فيما نشطت مجموعة منهم خلال السنوات الماضية في إثارة النعرات الطائفية والصدامات المذهبية في الفضائيات حتى لمع نجمهم.
لنذهب مباشرة إلى حقيقة تعيشها كل المجتمعات الإسلامية؟ هل ننكر تلك النوعية من (تجار الدين) وجرائمهم التي يندى لها الجبين؟ هل ننكر أنهم من المرضى النفسانيين؟ أولم تسمعوا عن خطبة ذلك المتدين المتوحش الذي يتلذذ بقطع النحور؟ ألم تشاهدوا بعضًا منهم وهو يقومون بمزاد لبيع شباب من أجل احراقهم في مواقع التوتر والجهاد المزعوم؟ أليس مفجعًا أن تشاهدوا محاضرات بعضهم وهم يتحدثون عن فتاوى أكل الزوجة وقت الجوع وشرب بول البعير؟ هل يمكن أن يكون إمام الجماعة الذي يصف طائفة من المسلمين بأنهم أولاد القردة والخنازير من الأتقياء الصالحين؟
وحتى لا يلتوي عقل البعض أقول، إن هذه النماذج موجودة في كل الطوائف بلا استثناء! وكل من يدعي أن طائفته المصونة السماوية العصماء ليس فيها من نوعية هؤلاء الخطباء أو الدعاة أو الأئمة، فهو يكذب، وأول ما يكذب على نفسه! إن من الضرورة بمكان أيها الكرام أن نشخص واقع الخطاب الديني السيئ الذي يقتات على الخرافات والطائفية والتمييز وتلميع الطغاة والنيل من المستضعفين، ولابد من أن ينزع كل من سحره أولئك بخطابهم التافه المريض… عليه أن ينزع سطوتهم من على كاهله، وبالطبع، نحتاج إلى أن نقول بكل صراحة للحكومات العربية والإسلامية، وتحديدًا نقول للمسئولين عن الشئون الإسلامية والأوقاف والإعلام والتربية والتعليم: إن اعتمادكم على هذه النوعية من (متديني المظاهر والمتاجر)، سيحرق أجيالاً في المستقبل، طالما سيبث أولئك المجانين سمومهم.
واسمحوا لي أن أستحضر جزءًا مهمًّا من ورقة بحثية لرئيس محكمة الاستئناف الجعفرية وقاضي التمييز وعضو مجلس القضاء الأعلى وإمام وخطيب جامع عالي الشيخ ناصر بن الشيخ أحمد خلف العصفور يقول فيها: «إن الأمة العربية بصفة عامة والإسلامية بصفة خاصة أخذت أبعادًا غير إسلامية تخالف مبادئ الإسلام في صور التفرقة وشق الصف، كما أن الاختلافات تحولت إلى خلافات وصلت إلى تكفير الآخر حتى في المذهب نفسه، إلا أن التحديات الكبيرة التي تواجهها الأمة العربية والإسلامية تحتم تكثيف الحديث والمعالجة؛ ذلك أن المجتمعات العربية والإسلامية تمر بمنعطف خطير، ومرحلة في غاية الصعوبة والخطورة، وربما لم يدرك الكثيرون أن أبعاد هذا الواقع وخطورته وتداعياته ونتائجه السلبية على أوطاننا ربما تكون كارثية لا سمح الله».
انتهى الاقتباس، لكنني أختتم متبركًا معكم بهذا الشهر الفضيل المبارك بالقول إن المنبر الديني التجاري المزيف والإرهابي والتكفيري والإقصائي والمتشدد هو يا مسئولون سبب الدمار الآني والمستقبلي، وتعرفون كيفية الخلاص منهم بالطبع.