متمدداً في سريري، فتحت التعليقات التي تصلني في برنامج سناب تشات، فإذا برسالة من شخص لا أعرفه، كالعادة، عبارة عن مقطع يظهر فيه السياف يرفع سيفه، ثم يهوي به بسرعة فائقة فيقطع رأس أحدهم! كل هذا في ثوانٍ أظنها لم تتجاوز الخمس، قبل أن أتدارك نفسي، وأستوعب الحدث، وأرفع رأسي من المخدة مذهولاً، ومملوءاً بالحوقلة والبسملة وشتم المرسل، المجهول الملعون.
وقبله يأتيني مقطع سناب، لإنقاذ طفل من تحت أنقاض حلب (مات بعد ذلك)، ومعه أمه أو جدته. وقبل هذا المقطع، بعث لي ملعون آخر، مقطعاً لرجل صيني ينتحر قفزاً من بناية عالية. يصاحب قفزته صرخة المصورة.
يا سيدي الملعون الذي يداوم على إرسال مثل هذه المقاطع إلى الناس، أنا لا أدّعي أنني فراشة ملونة، لكنني لم أنضم إلى الحشد الشعبي ولا إلى تنظيم داعش، ولا تمتعني طريقتهما في النحر والقتل وإرهاب الناس، فما الذي دهاك، حفظك الله أنت وأمثالك ولعنكم؟ أنا متأكد أنك وأمثالك الملاعين أرسلتموها إلى عشرات غيري، أو ربما مئات أو ألوف، وأظنكم بذلك أردتم أن تصدمونا بكآبة المنظر، ثم تتخيلوا وجوهنا وردات فعلنا لتضحكوا بينكم وبين أنفسكم.
ثم، يا أيها السادة الملاعين، ألا تعلمون أن تكرار مشاهدة مثل هذه المناظر يميت المشاعر، ويُدخل هذه الأمور في دائرة العاديّات، فنصل بعد حين إلى مرحلة لا نشعر فيها بمآسي الناس، وقد “نتطور” فنستمتع بمشاهدة مآسيهم، ونتطور أكثر فنساهم في هذه المآسي.
ورحم الله من كان يستفزني بإرسال صورة فنجان قهوته، أو مقطع يداعب فيه قطته، أو صورة للشارع الممتد أمامه. وكنت أسأل نفسي: ما المطلوب؟ ما المميز في هذه الصورة أو المقطع؟ لكنني اليوم على استعداد لتقبيل أنوف هؤلاء “الرومانسيين” الذين يساهمون في تعديل الكفة، وتخفيف أهوال صور القتل والنحر.