تعليقاً على مقال نحن واليهود، وسبب تفوقهم، كتب أستاذ أميركي من اصل عربي يخبرني بأن من مظاهر تفوق اليهود وتكاتفهم ما قاموا به في بداية عصر الانفتاح في أوروبا، عندما كانت نسبة المسموح لها منهم بالالتحاق بالجامعات الأوروبية المرموقة لا تزيد على ٣٪، حيث قام قادتهم بإجراء ما يشبه الانتخابات الفرعية واختيار أفضل الشباب واكثرهم إبداعا ليلتحقوا بالجامعات، ضمن تلك النسبة، بدلا من ترك الأمر للأكثر نفوذا ومالا، وكانت النتيجة أن هؤلاء الشباب (اليهود) اثبتوا تقدمهم وتفوقهم الفائق، وكانوا ضمن أفضل خريجي الجامعات، وتمكنوا تاليا من تبوؤ أهم وأعلى الوظائف. كما قام هؤلاء، في مرحلة تالية، باحتضان غيرهم من الخريجين الجدد، وأصبحوا مثلهم الأعلى، Mentors، واستمرت الحال الى يومنا هذا.
ويستطرد الأستاذ قائلا: انه لاحظ أثناء فترة الإعداد لنيل شهادة الدكتوراه Post Doctorate، كيف يقوم الاستاذ اليهودي البارز باختيار طلبته اليهود والاهتمام بهم، ومساعدتهم في نشر بحوثهم في أكثر المجلات العلمية رصانة، وهذا ساعدهم تاليا في شغل أفضل الوظائف. ويختتم مداخلته قائلا: انه قام شخصيا بالتدريس في جامعة اميركية لفترة طويلة، وأنه كان يتبع طريقة محددة لعدم معرفة اسم الطالب اثناء مراجعة الاختبارات، وكان يتبين له، في غالب الأحيان، أن أفضل الأوراق المقدمة كانت لطلبة يهود. وذكر، ساخرا، أنه لو قامت الدول الغربية اليوم بتحديد نسبة المسلمين الذين يحق لهم الالتحاق بجامعاتها، فإن النتيجة ستكون ضمن «المحسوبية العربية» المعروفة!
وفي السياق نفسه قام الصديق والزميل حامد الحمود بالتعليق مطولا على سابق مقالينا عن أسباب تفوق اليهود، وقال انهم استفادوا من أجواء الحرية، ولم يعشقوها، كما ذكرنا، وهذا صحيح! ولكن غير الصحيح ما ذكره من المسار الذي تدفع فيه اليهودية لا يلتقي إلا قليلا مع مسارات أو خيارات الحرية، وأن المفكرين الكبار من اليهود بدأوا مسارهم الفكري بالتمرّد على تعاليم الدين اليهودي، وأن هكذا كان سبينوزا في القرن 17، وهكذا كان ماركس! ولكن هناك تناقضا ما في الاستنتاج، فتمرد سبينوزا وغيره لم يدفع أحدا من كبار اليهود لإخراجهم من الملة والحكم بموتهم، كما فعل بعض المسلمين بكبار مفكريهم وعلمائهم، والسبب اتساع هامش الحرية لديهم مقارنة بنا. ولا أعتقد أن بالإمكان إنكار أن هامش الحرية الدينية لدينا هو الأضيق!
كما لم أقل في مقالي ان اليهود كتلة متجانسة، ولكنهم أبدعوا، بدرجة أو بأخرى، في المجتمعات التي وجدوا فيها، ومن غير الضروري القول انه طالما أن اليهودي الألماني أبدع في البيانو فعلى اليهودي اليمني مثلا ان يبدع عن نفس الآلة، والإنسان ابن بيئته، فلو توافرت أجواء الحرية لليمني لأبدع اليهودي وغيره، فتقاليد الكثير من المتدينين الصارمة هي التي جعلته وبقية الأقليات من المتخلفين. أما ما ورد في المقال عن السبي البابلي، الذي حول شعبا أغلبه من الفلاحين إلى متمدن، فقصة السبي – برأيي – أقرب للاساطير منها للحقيقة.