يُحكى أن أهل بلدة بلغوا مبلغًا من سطوة إمام الجامع… فقد كان نذلًا إلى أبعد حدود النذالة وخسيسًا إلى أبعد حدود الخسة، والأنكى من ذلك والأشد، أن ذلك الإمام لا يتورع عن أكل الحرام وشهادة الزور ونصرة الظالم على المظلوم، حتى عده أهل العلم من الصالحين في تلك البلدة بأنه واحد من كهنة الشيطان.
«ما دمتم تعتبرونه كذلك، وأنتم أهل علم وصلاح وتقوى، لماذا تخرسون إذن ولا تقوون على مواجهته وإبعاده؟ ما الذي يخيفكم منه؟»، سألت إحدى النساء مستنكرة على بعض مشايخ البلدة في مجلسهم صمتهم وجبنهم، فقد انتهك كاهن الشيطان ذاك عرضها بعد أن قتل زوجها وسلب مالها ذات ليلة قبل سنين مضت… وبقيت تلك المرأة تجري كالمجنونة… لم يهدأ لها بال ولن يهدأ إلا إذا نال ذلك الإمام عقابه وتمكنت العدالة من رقبته.
«ما دمتم تعرفون أنه من أرذل خلق الله، لماذا مكنتموه من رقاب خلق الله وهو لا يخشى الله؟ أهذا يستحق أن يكون في بيت الله إمامًا… لا والله إنما هي لعبة الزمن القبيح حيث لا رجال…». طأطأ أولئك المشايخ رؤوسهم فليس لديهم أي جواب، وهم يعلمون أنهم في يوم ما، ستأتي لهم الشجاعة ليقفوا في وجه ذلك الشيطان.
منذ سنين، وأهل تلك البلدة ينتظرون ساعة الفرج والخلاص من إمام مسجدهم، ولطالما تساءل بعض الرجال ممن عرفوه وخبروه وكذلك بعض الشبيبة: «كيف إمام جامع؟ كان فيما مضى من السنين، وكما سمعنا ورأينا وشاهدنا، لا يتورع عن المنكرات ولا يتردد عن فعل الفاحشة؟»، أما الشبيبة فقد كانوا يتساءلون أيضًا: «ما دمتم تعرفونه كذلك… فلماذا كل هذا الخنوع؟».
ذلك السؤال له إجابة بالتأكيد، لكنها ليست هينة يسيرة على أولئك الذين يخافون من سطوة ذلك الإمام، وكان البعض منهم يستحضر واقعة اختفاء الفلاح الشهم (الحاج عبدالكريم) عندما سار في السوق ذات صباح وهو يجر عربته ويحذر الناس من ذلك الإمام ويعري وجهه القبيح، فما أن بلغ الكلام إلى السلطان حتى هاج غضبًا وأمر بجلبه من لحيته… بالطبع، لا لجلب إمام الجامع بل لاحضار الحاج عبدالكريم الفلاح إلى قصر الإمارة، وما هي إلا سويعة والعسس يدمرون عربة الحاج عبدالكريم ويقتادونه بكل قسوة ورعونة حتى بلغ بهم الأمر بسحله على الطريق… هاقد مضى 15 عامًا ولا أحد يعلم عن الحاج عبدالكريم شيئًا، إلا أن زوجته وابناءه الذين اشتد عودهم، لا يزالون يسقون حقلهم بأمل عودة أبيهم يومًا ما.
لماذا كل هذا الخنوع؟ الكثير من شباب القرية كانوا يطرحون هذا التساؤل، وفي الأمر غاية! ترى، من الذي سولت له نفسه لأن يتساءل ويفكر؟ هل تعرفونهم؟ من هم أولئك الذين يكيدون لي؟ كانت تلك الأسئلة التي تدور في رأس ذلك الإمام عندما بلغه من آذانه التي ركبها حتى على الجدران، أن بعض الشباب بدأوا في (البحث في أمرك والتذمر منك ومما تفعل ولربما هاج جمعهم في وجهك يومًا)! إن الأمر خطير بلا شك، فلم يكن أحد يجرؤ على الوقوف في وجهه، ذلك لأن كل الوقاحة والقذارة التي يتمتع بها ذلك (الشيطان) الذي يمثل (عالم الدين) ويمثل الصلاح والتقوى ما هو إلا نسخة من ذلك السلطان.
أصبح الصباح ولم يجد الناس ذلك الإمام! إن الأمر غريب للغاية… مضت أيام وأيام والناس تتساءل بفرح وقلق في آن واحد… لقد اختفى… خلصنا الله منه… لكن ما الذي جرى له وأين ذهب؟ ذات صباح، وبعد أن مر على اختفاء الإمام 10 أيام، كانت البلدة في أشد حالات دهشتها… لقد عاد الحاج عبدالكريم… الفلاح الذي اختفى قبل 15 عامًا.