بدأت المؤشرات الانتخابية القادمة عام 2017 تلوح في الأفق، ومن أهم هذه المؤشرات إعلان معظم المقاطعين للانتخابات السابقة المشاركة في مجلس 2017 ترشيحاً وانتخاباً، ويتزامن مع هذا المتغير المهم حالة الاستياء الشعبي تجاه المجلس الحالي، خصوصاً ما يتعلق بضياع هيبة البرلمان وتحوله إلى مؤسسة تابعة للحكومة، مع استمرار النهج السياسي والثقافي والاجتماعي التقليدي في بيت الشعب، وبمعنى آخر فإن نظام الصوت الواحد لم يقدم أي جديد كنقطة تحول في النموذج الديمقراطي، وإنما أضعف المجلس وأداءه وممارساته إلى مستوى متواضع جداً.
النتيجة المتوقعة إذاً في حالة المشاركة الشعبية الواسعة وعودة التيارات المقاطعة هو إحداث تغيير كبير في تركيبة المجلس القادم ورجوع عدد مهم من الشخصيات البرلمانية القديمة أو حتى الجديدة من المعارضة القوية.
لهذا يتوقع أن تأخذ الحكومة هذا الاحتمال محمل الجد، وأن تفكر في كيفية مواجهة المعارضة من جديد، ومن بين السيناريوهات المحتملة أن تزرع الحكومة لغماً قانونياً من شأنه إبطال مجلس 2017 إذا جاءت تركيبته على غير هواها! وللحكومة سوابقها في هذا النوع من التكتيك السياسي ، فما جرى وبتعمّد من خلق ثغرات ومخالفات دستورية واضحة في انتخابات 2012 المبطل الأول، وكذلك انتخابات 2012 المبطل الثاني، خير شاهد على ذلك، فما الذي يمنع الحكومة من وضع عنصر إبطال المجلس القادم بالطريقة نفسها؟!
أحد الشواهد المهمة في هذا الصدد على ما يبدو إيعاز الحكومة لأحد النواب المحسوبين عليها إعلان وقت الانتخابات القادمة، وتحديداً في النصف الأول من شهر يوليو 2017، على الرغم من أن وزير الداخلية هو المسؤول الأول والوحيد في إعلان مواعيد الانتخابات؟!
وفقاً للدستور فإن مجلس الأمة في الظروف العادية يكمل فصله التشريعي بعد أربع سنوات ميلادية كاملة، في حين أن دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي يجب أن يعقد في شهر أكتوبر، لكن المواعيد الزمنية للوضع الراهن، وهو يفترض أن يكون طبيعياً لعدم حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، تقضي بأن يفتتح المجلس القادم بعد إعلان نتائج الانتخابات قبل أكتوبر، الأمر الذي قد يثير جدلاً دستورياً جديداً ربما يؤدي إلى الطعن أمام المحكمة الدستورية، وربما يؤدي ذلك بالتبع إلى إلغاء نتائج الانتخابات القادمة برمتها، لذا فإنه من الأهمية بمكان دراسة البعد القانوني والدستوري لهذا الإشكال مبكراً، بل قد يكون رأي المحكمة الدستورية الاستباقي بمثابة صمام أمان لمنع أي أزمة سياسية أو دستورية قادمة!
هذه بعض تبعات التلاعب بالثوابت الديمقراطية وتشويه صورتها، وقد مارست الحكومة منذ مجلس 1963 مختلف صور العبث بمؤسسة الشعب بدءاً بتزوير الانتخابات، مروراً بتعليق الدستور ومنع الانتخابات، وانتهاءً بتسهيل إيجاد مجلس صوري، وأخيراً إلغاء إرادة الناس عن طريق المحكمة الدستورية، وكل هذا من أجل إبعاد الناس عن الحياة الديمقراطية وممارستها والتململ منها تمهيداً لتركها من غير رجعة!