يحق لكل من قرر المشاركة في الانتخابات، سابقاً ولاحقاً، أن يكون محترم الرأي محفوظ الحقوق، وكذلك الحال بالنسبة لمن قرّر المقاطعة (سابقاً ولاحقاً)، أن يكون كذلك، له احترامه وحقه فصوته أمانة، حتى لا يضطر إلى أن يقف اليوم على مشارف الصدامات والخلافات تحت القبة التشريعية ويقول: «الحمد لله لم انتخب أحداً»، حتى لو عض الآخر على أصابع الندم وقال: «هؤلاء الذين (بصوتي أوصلتهم.. وبهم أقدر!)»، وربما رأى ثالث أن من انتخبهم هم بالفعل (اختيار موفق صادق)، وهم بالفعل يمكنونه من أن يترجم عبارة: «بصوتك تقدر» من مجرد شعار إلى تطبيق واقعي له ثماره.
نعم، آمنا بالله.. بصوتك تقدر؟ ولكن آنذاك، حين كانت النقاشات والجدالات والتراشقات تدور بين بضع مؤيدين وبضع مقاطعين، على صعيد المجالس الأهلية وفي الوظائف وعلى مستوى وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد ولا سيما حسابات «تويتر»، تنطلق من سؤال مهم: «بصوتك تقدر.. تقدر شلون؟ ومن قال لكم أن هؤلاء سيكونون لكم عوناً؟ نعم، حتى المخلصين منهم لن يتمكنوا من تحقيق شيء على الإطلاق؟»، فيما يصر المؤيدون على أن «بصوتك تقدر» تعني باختصار: «أننا سنسعى لإنجاح المشروع الإصلاحي بكل أبعاده، ولن نتوقف ولن ينقطع مسار الممارسة الديمقراطية، وسنصل بمستوى الأداء الديمقراطي في المؤسسات التشريعية إلى أعلى مستوى بأصواتنا.. نقدر.. سنسهم بتحسين المعيشة للمواطن.. فبأصواتنا نقدر.. ونحقق المزيد من المكاسب على صعيد التوظيف والأجور وتطوير التشريعات الداعمة للاقتصاد المتطور وللرفاهية.. أيضاً بأصواتنا نقدر.. فيما يكتفي طرف بمقولة مقتنع بها تماماً: «بصوتك تقدر.. تقدر طل»!
على العموم، كانت بضع مشاحنات تدور على أساس أن المشاركة في الانتخابات هي واجب وطني، دون أن يكون هناك تحليل مجرد حول معنى الواجب الوطني وأساسه ومفهوم خدمة الوطن بيد من لا يملك أن يخدم، أو أنها انطلاقة متجددة نحو أفق الديمقراطية المتقدمة. ولم نجد من أحدٍ من المنظّرين شرحاً مقنعاً ومنطقياً حول الانطلاقة المتجددة لأفق الديمقراطية وما الذي كان يقصده من هذا الأمر سوى إعادة لعبارات حفظها من مقالات أو مقولات شهيرة، ولا يمكن أن يستقيم لها المقام لتُطبق على أرض الواقع، فيما هناك فئة من المقاطعين كانوا يرون في المشاركة شوكة قوية تغرس في أعين المقاطعين، أي أنها ميل مع الهوى، وصدام بين موالاة ومعارضة، وبين مقاطعة ومشاركة. أما عن قراءة واقع «الوطن والشعب» من تلك المعادلات المضطربة، فلا أثر إطلاقاً، وليسمح لي من يعترض على هذا الكلام أن يقدّم لي ما يمكن أن يمثل دليلاً ولو واحداً كمكسب جاء نتيجة «بصوتك تقدر».. فأنا شخصياً كمواطن، في حاجة لأن يدمغ شخص ما بدلائل تقول لي هذا ما تحقق بصوت من «صوت وقدر».. تفضل!
من حق المشارك أن يشارك ويرشح من يشاء، ومن حق المقاطع أن يفعل، لكن ليس من حق أحد أن يتهم المشارك بأنه «يمثل قمة الصدق والوطنية والإخلاص» من جهة، ويتهم المقاطع بأنه «يمثل قمة الخيانة والغدر والتآمر»، فهذه أصلاً ليس من أبجديات من يعرف الديمقراطية، إلا أن الحاصل اليوم من تراشق وصدامات ومشاحنات تحت قبة البرلمان، وأحياناً خارجها، في الملتقيات والندوات والمجالس، كل تلك الصور لا يمكن أن تقنع مواطناً بأن التجربة البرلمانية في طريقها إلى التطور على الإطلاق، وحتى الأخوة النواب الذين يبذلون جهداً لا بأس به وفق مقدورهم بل وربما أكبر من مقدورهم أحياناً، لا يمكن أن يملأوا شغف المواطن الذي ينتظر الكثير والكثير من الإنجازات، ولا يمكن إقناعه بأن هذا هو الحال، وهذا هو الواقع.. وإننا، كسلطة تشريعية، ليس في يدينا إلا أن نكون هكذا.. منكم وإليكم والسلام عليكم؟
أما بصوتك تقدر، فلنرجع إلى زملاء وكتاب ومغردين شهيرين شنوا حملات لا يمكن إدراك مؤشرها المرتفع جداً على شبكات التواصل الاجتماعي في فترة الانتخابات، حتى جعلوا «بصوتك تقدر» قبلة الآملين في النفائس، لكنهم ذاتهم اليوم، يشنون حملات مضادة على أنفسهم وعلى من أيّدهم وعلى من هتف معهم «بصوتك تقدر» بسبب ما يرونه أمامهم من أداء لممثلي الشعب الذين هم من اختارهم وأوصلهم إلى مقاعدهم.
ليس المكان للتشفي و»تقديم طرف محق على طرف آخر كان ولا يزال مخدوعاً»، على الإطلاق، وليس الهدف القول: «انظروا إلى أصواتكم ماذا تفعل»، ولكن الحق يقال.. إن كنت تريد المشاركة فاختر الصوت الذي تثق به لا الصوت الذي دفعوك له، وإن كنت مقاطعاً، فلك الخيار المطلق في أن تبدل رأيك وتشارك، أو أن تبقى مقاطعاً، لكن ليس من اللطيف أن يأتي أحدهم (ويسندرنا يومياً) بأن اختياره كان فاشلاً وأن صوته (راح خرطي)!