أهم مبدأ قانوني لحماية حقوق الإنسان وضمان الأمن بالمجتمع هو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم نهائي، والحكم الغيابي ضد المتهم فهد الرجعان بقضية التأمينات ليس نهائياً، لذا افتراض براءته واجب، وليس هذا موضوع المقال الآن، فما صرح به المتهم مدير التأمينات السابق، عبر تغريدات حامد بويابس، بعبارات مثل “استلمت التأمينات عام 84 وتركت المنصب عام 2014، ما قدمته لخزينة المال العام هو 30 مليار دينار عداً ونقداً…”، وأضاف: “جميع مجالس الأمة… كانت تصفق لميزانيات التأمينات، ديوان المحاسبة لم يسجل مخالفة واحدة بعهدي… صدقوني…”!
أنا أصدق فهد بأنه التصق بكرسي إدارة التأمينات لعقدين من الزمن، وهو ليس حالة فريدة في ثبات منصبه العالي، فحاله من حال الكثيرين في دولة “من صادها عشى عياله”، و”ما في البلد غير هذا الولد”، إذن لماذا نظلم مواطناً كفهد لا يمثل آخر الأمر غير أحد تجليات دولة المحسوبيات التي لا تعرف تداول السلطة لا من الأعلى ولا من الوظائف السامية العليا؟ لماذا فهد بالتحديد؟ فقط لنراجع أسماء الكثيرين في المناصب العليا، والذين نشاهد صورهم كل يوم بصحافة الألوان السمجة، مبتسمين فرحانين بغنيمة الوظيفة الدسمة، وهم يسلمون أو يستلمون الشهادات (الله يزيد النعمة على هذه الشهادات) ودروع البطولة في القفز على منصب، سنجد أن حالة فهد هي صورة نمطية لطريقة الإدارة بالدولة عند شيوخنا الأفاضل.
فهد يذكركم “أنتم المتناسون بفضل الوظيفة العامة وبركاتها” بأنه حقق 30 مليار دينار خلال سنوات عمله “الطويلة” المضنية. طبعاً الخسائر لم تذكر هنا، فالاستثمار بأموال التأمينات والتدخل بثرواتها لإنقاذ مؤسسة فلان وشركة علان أو دعم هذا أو ذاك المرشح لتحميلهم فيما بعد الجمائل علهم يردون الجميل فيما لو ادلهمّ الزمن يعد عملاً تجارياً، وبالتالي هو معرض للربح والخسارة… وهذا أيضاً ليس مهماً عندنا في أعراف المال السائب بصحاري بني نفط، المهم أن مدير التأمينات السابق يتساءل بصيغة اتهام للظالمين بأنه وقف عدة مرات أمام مجالس الأمة، وكان النواب يصفقون بحماسة الجمهور الرياضي للهداف فهد و”غولاته” في تلك الأيام، أيام رحلت، وتغير الجمهور، لكن جمهور النواب مازالوا بفضل تركيبة الدولة هم جمهور المشجعين لم يتغيروا في مملكة “يا الله لا تغير علينا”، فما الذي حدث الآن حتى تكال كل تلك التهم عليه…؟!
أعضاء مجالس أمة تعاقبوا على المجلس صفقوا وهللوا لبلايين أرباح استثمارات التأمينات، ديوان المحاسبة لم يقل كلمة واحدة تدين مدير التأمينات! هل هناك أي مؤسسة عامة اشتكت من إدارة التأمينات سابقاً أو تحركت ضدها؟! انسوا المشاغب د. فهد الراشد الذي قلب المواجع وتحرك منذ زمن طويل ضد إدارة التأمينات، وقدم الشكوى بعد الشكوى لنواب سابقين ومسؤولين غيرهم، ولم يجد أذناً صاغية له، ففهد الراشد هو مواطن فرد وليس مؤسسة عامة… قضيتنا هي المؤسسات الرقابية في الدولة كانت تصفق… أو لا تنتبه أو لا تكترث… إذن أين العلة وأين الخطأ…؟ هل توجد لدينا مؤسسات دولة فاعلة حقيقية تقوم بالمراقبة الجادة خارج نطاق تغطيات المحسوبيات وتقاليد “… هذا ولدنا” أم ماذا؟ وهل بمثل تلك المؤسسات سنواجه القادم بعد نهاية حلم “أيامنا الحلوة”…؟ هذا مجرد سؤال.