خلاص. إلى هنا وخلاص… بعد عقد من الزمن، أعلن توقفي عن إدارة البرامج التلفزيونية الخاصة بالشأن الكويتي.
بعد عقدٍ كان صاخباً، مملوءاً بالنجاحات والخيبات والمغامرات والكفالات والتحقيقات ومباني النيابات وقاعات المحاكم، أتوقف عن التركيز على الشأن المحلي الكويتي… بعد عقدٍ من الزمن، تحسست فيه حرية الرأي بيدي، فأدركت أنها حبرٌ وكلمات، ليس إلا، أتوقف على قارعة الطريق، لأعيد حساباتي، قبل الانطلاق في فضاءات أوسع، وخطوط طول وعرض أطول وأعرض من مساحة الكويت.
بعد عقد من الزمن في الإعلام التلفزيوني، لم يتعدَّ ظهوري على الشاشة، أكثر من نصف المدة، بينما قضيت النصف الآخر موقوفاً أو ممنوعاً عن التقديم، شفهياً. وفي هذا تفاصيل كثيرة وكبيرة.
على أن السنين العشر الماضية كانت ملأى بالنكهة الحارة، والأحزان، والأجر الأعلى بين الإعلاميين، وساعات التفكير الذي لا ينتهي، والإرهاق، وإغماض العينين لاستجماع المعلومات قبل الظهور على الشاشة، والسير بين حقول الألغام… هي سنوات لا يمكن أن تُنسى.
بدأتها في عام 2006 في التلفزيون الحكومي، قدمت فيه سبع حلقات عجاف، طُلب مني وقتذاك تخفيض السقف كي يُسمح لي بالاستمرار، فقررت، كعادتي، السير في الاتجاه المخالف ورفع السقف، فأُوقف البرنامج، فحزمت حقائبي وغادرت. فطلبتني قناة “نبيها تحالف”، وهي قناة مؤقتة، تخدم فترة انتخابات، تقمصنا فيها دور بائعي الهيروين، الذين يختبئون من الشرطة والعسس. وانتهت الانتخابات فحزمت حقائبي، وحزمَت القناة حقائبها، وأوصلتها إلى محطة القطار، وقبّلتها مودّعاً، وتفارقنا بِوُدّ.
ثم طلبتني قناة الراي، وفيها حققت الأجر الأعلى بناء على حجم الإعلانات المصاحبة لبرنامجي، الذي تصدر نسبة المشاهدة منذ الأيام الأولى، قبل أن يتم ما تم، ويوقَف البرنامج الذي أغضب ذوي السلطة والمال. فحزمت حقائبي وغادرت.
وفي تلفزيون الشاهد قدمت برنامجاً في فترة انتخابات، ورفضت الاستمرار، وحزمت حقائبي وغادرت. ثم قناة اليوم التي حوصرَت براً وبحراً وجواً، قبل أن تُضرب بالقنبلة النووية، وتُغلق، ويحال العاملون الأجانب فيها إلى أمن الدولة، وتُسحب جنسية مالكها، وتوضع صورتي على أعمدة النور، تحت جملة “المطلوب رقم واحد”…
إلى هنا وخلاص. بعد أن أصبح الفساد في الكويت يسير عارياً في الشوارع الرئيسية، من دون الحاجة لمن يكشفه ويعرّيه… سأبدأ، منذ الآن، التجهيز لبرنامج يسافر إلى مسافات أبعد، ويناقش مواضيع تَهُم شرائح أوسع وشؤوناً أكثر، من ضمنها الشأن الكويتي بالتأكيد، لكنه لن يكون الوحيد، كما كان في السابق.
أقول هذا، مذكّراً بأن توقفي الإعلامي عن التركيز على الشأن الكويتي يخص البرامج التلفزيونية فقط.