لم يعد إضراب العاملين في القطاع النفطي شأناً خاصا بهم، بل سرعان ما تحوّل إلى قضية رأي عام، لا تكاد تخلو ديوانية أو «قروب واتس اب» من الحديث عنه ومناقشته.
لا أعتقد أن كون النفط هو المصدر الرئيسي ــــ والوحيد تقريبا ــــ للدخل في الدولة هو سبب تحوّل قضية الإضراب إلى موضوع على كل لسان، وتصدر اهتمام الشارع، ولكن حالة الاحتقان السياسي وانسداد الأفق جعلا من هذه القضية فرصة للتعبير عن تلك الحالة، وعن الشعور المتنامي والملحوظ بانعدام الثقة في أغلب مؤسسات الدولة، وهذا مؤشر خطير، لأنه يعني أن أي قضية مهما صغرت فستكون مرشحة لأن تتحول إلى مشروع أزمة، ويعني أن المصلحة الخاصة الضيقة ستكون في أعلى سُلم الأولويات عند الجميع، وذلك لفقدان الشعور بالأمان في ظل النهج الحالي في إدارة البلاد!
الإشكالية ليست في الإضراب، وإنما في ما وراءه، وفي حالة انعدام الثقة في الإدارة التي كشفها الإضراب، وكان فرصة للتعبير عن المأزق السياسي وانسداد الأفق الذي نعيشه، حيث لم يكن لدى الحكومة أي معالجة موضوعية للقضية ومسبباتها، وانحصر تعاملها في إطلاق التهديدات والتحذيرات العقابية، من تهديد بالإحالة الى النيابة، إلى التلويح بحل النقابات، واستيراد عمالة من الخارج، بالإضافة إلى توظيف الفتاوى الدينية، والحرب النفسية والإعلامية، في مؤشر واضح على حالة الارتباك، وعدم امتلاك رؤية للأزمة، أو حلول يمكن أن تجنب البلاد الدخول في نفق مظلم!
كما كشفت أزمة إضراب العاملين في القطاع النفطي حالة الشلل التام التي يعيشها مجلس الصوت الواحد، وأنه لا يعدو ــــ برأي الكثيرين ــــ أن يكون إدارة حكومية تلتزم بما يأتيها من قرارات وأوامر، وإن صح ذلك، يتحول المجلس إلى جزء من الأزمة والمشكلة، التي أوصلت الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم، وليس هو الطرف الذي نبحث عنده عن حلول للأزمات، والدليل أن بعض النواب أطلقوا التصريحات العنترية في الندوات التي أقامتها النقابات قبل الإضراب، ولكن بمجرد أن أصبح الإضراب أمرا واقعا ذهبت كل تلك العنتريات أدراج الرياح، وصار الصمت هو سيد موقفهم!
لن يكون إضراب القطاع النفطي هو آخر الأزمات التي تمر بالبلاد، ففي ظل إدارة من هذا النوع، فإن أي مشكلة ستتحول إلى أزمة، ما لم يتم تغيير نهج الإدارة، وتعود ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.. والقائمين عليها.