الإضرابات العمالية هي العدو اللدود للحكومات لأنها تمسكها من موضع الألم، ولهذا نجد الوسيلة التي تلجأ إليها الحكومة في إحباط الإضراب النفطي الأخير هي التشهير وخلق رأي عام مضاد وتشويه المطالب التي ينادي بها عمال النفط، واعتبارها مكتسبات خاصة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وإلحاق الضرر بأمن الدولة.
الإضراب والاحتجاج السلمي قد يعكس حالة من الحيوية المجتمعية والإرادة الشعبية، خصوصاً في ظل الموت السريري للمؤسسات الدستورية وخصوصا مجلس الأمة الهزيل وتيهان المعارضة السياسية التي باتت تضرب الأخماس بالأسداس وضياع بوصلة عملها.
لهذا يكتسب إضراب عمال النفط أهمية سواءً بالتأثير المباشر على صنع القرار أو لتحريك المياه الراكدة، ويمكن أن يتحقق لهذا الإضراب أهداف أهم على صعيد مصالح الشعب الكويتي إذا ما أدير وفق رؤية وطنية، وفي إطار الحفاظ على المكتسبات الشعبية، فالنفط هو مصدر رزق الكويتيين جميعاً، والصفقة التي تنازل بموجبها مجلس الأمة في الجلسة الأخيرة عن الثروة الوطنية المتمثلة بما تبقى من الخدمات النفطية مقابل عدم رفع أسعار الكهرباء عن البيوت تصب في الاتجاه التصاعدي لتقاعس هذا البرلمان المريب، وبات وضع البلد برمته في أيدي مجموعة من المتنفذين واقعاً تنتظره الأيام فقط.
هذا التأليب والتحريض على المضربين وخصوصا المطبلين تحت شعار “مع الخيل يا شقرة” كان يفترض أن يوجه للحكومة وفشلها على مدى سنوات طويلة لتنويع مصادر الدخل؟ وغياب الخطط المستقبلية في معالجة اختلالات النظام الاقتصادي والمالي بدلاً من محاولة بيع البلد وفرض الرسوم على الناس؟ في رأيي يجب أن يكون عنوان الإضراب النفطي هو الدفاع عن الثروة الوطنية الخاصة بالكويتيين وحماية المؤسسات والخدمات والمشاريع النفطية، ولا يكون لهذا الاحتجاج أي ذكر لمنافع خاصة أو البديل الاستراتيجي أو مشاركة النجاح لأنها قضايا خلافية قد تفتح أبواب النقد على المضربين.
بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون الإضراب النفطي مدخلاً لإضراب شامل على الصعيد الوطني تشارك فيه جميع المؤسسات الحكومية والمهنية، في وقفة احتجاجية يتم التنسيق لها بين الاتحاد العام لعمال الكويت والنقابات في جميع الوزارات للضغط على الحكومة من أجل الخروج بتصورات واضحة مدعمة بالبيانات والأرقام والرؤى والجداول الزمنية لإصلاحات حقيقية تكون الحكومة هي المسؤول الأول في التصدي لها، ويكون للشعب الكويتي مكان حقيقي فيها كمنظومة حل تخلق روح المسؤولية المشتركة.
أمر غريب وعجيب ومريب يعانيه بعض الكويتيين بدوافع الاصطفاف والغيرة، والسيناريو نفسه يتكرر عندما واجه الناس بعضهم بعضا لمصلحة الحكومة، كما مر علينا في قضية ضرب وملاحقة فئات المجتمع، ذلك السحر الذي انقلب على الساحر، والتحريض على سحب “الجناسي” الذي انقلب ضد مروجيه، واليوم ذات الخطيئة قد تمارس ضد عمال النفط، وقد تكون نتائج ذلك فعلاً بيع البلد ونحن يحارب بعضنا بعضا، فمتى نعتبر يا ناس؟!