لغة الجسد والصور كانت تشرح بوضوح كواليس المؤتمر. وقد جاء بيان قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، ليفاقم أزمة إيران في الإقليم ومع دول المنظمة. فعدا عن تحفظ دولتين هما لبنان والجزائر بين 57 دولة إسلامية، فقد دان القادة المشاركون في القمة تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة واستمرار دعمها الإرهاب. ما يعني أن إيران تواجه إجماعا إسلاميا لا ينظر بطبيعة الحال إلى صراع النفوذ والهيمنة والتدخلات الإقليمية والإرهاب مجرد أزمة عابرة بين إيران وبعض دول المنطقة، وعلى رأسها السعودية، كما قد ترى الإدارة الأمريكية مثلا. وهذه ضربة دبلوماسية قاتلة.
لقد خسرت إيران أغلب الأوراق الرابحة وليس آخرها موقف دول منظمة التعاون الإسلامي، هي الدولة التي تقدم نفسها كدولة إسلامية في تسميتها وسياساتها، وهي التي يرتدي رئيسها “السياسي” زي شيخ دين!. ولا شك أن إيران خسرت أوراقا أخرى كثيرة في المنطقة عربيا وإسلاميا. وإذا كانت إيران قد خسرت المساحة العربية من التأييد، فقد خسرت المساحة الإسلامية الأكبر، هي التي كان من المفترض أن تشكل تعزيزا لموقعها في المجتمع الدولي بعد الاتفاق النووي. ولأن الدول المارقة هي التي تخرج على الأعراف الدولية بمعاداة جيرانها ونشر الإرهاب وبث الفتنة، فإيران دولة مارقة في العرف الدولي. وما لم تعيد تقييم سياساتها الخارجية وتدخلاتها في الإقليم وتصلح علاقاتها مع دول الجوار، فلن يكون باستطاعة إيران أن تقوم بأي دور فاعل أو أن تقيم علاقات طبيعية مع المجتمع الدولي، أو أن تقوم بأي دور استراتيجي ناتج عن أي فراغ إقليمي من أي تبدل في المصالح بين دول المنطقة وأمريكا.
ولقد واجهت السعودية تدخلات إيران بحزمة من المبادرات السياسية والعسكرية والاقتصادية القاتلة، آخرها رفض السعودية التوقيع على اتفاق لتثبيت إنتاج النفط خلال اجتماع الدوحة، ما لم توقع عليه إيران. وهو موقف يضع طهران في ورطة اقتصادية تضاف إلى مأزقها السياسي المهزوم بعد قمة إسطنبول. وعدم التوصل إلى اتفاق عالمي لتثبيت الإنتاج هو رسالة سعودية موجهة إلى روسيا ومنتجي النفط الصخري في أمريكا الشمالية وإيران، ومضمونها أنه بإمكان الرياض إغراق السوق بشكل كبير، وقد قال وزير النفط الإيراني “إذا جمدت إيران إنتاجها من النفط عند مستوى شباط (فبراير)، فإن هذا يعني أنها لن تستفيد من رفع العقوبات”. والسعودية لا تخشى بقاء الأسعار منخفضة لأنها تملك قدرات اقتصادية تسمح لها بهامش كبير من المناورة، إذ تتمتع بقدرات تمكنها من أرجحة الأسعار حاليا وفرض واقع جديد للإنتاج في المستقبل.
كل ذلك يضاف إلى قائمة تطول من المبادرات العسكرية والسياسية التي تصدرتها الرياض: تحالف عربي في اليمن، تحالف إسلامي لمواجهة الإرهاب، تعزيز التحالفات في المنطقة عربيا وإسلاميا لا سيما بين مصر وتركيا، العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية مع روسيا، التي ترغب هي الأخرى بفتح الأبواب الأخرى بعد إيران، هذا عدا عن العلاقات المفتوحة مع القوى في آسيا لا سيما الصين والهند. وهي أمور ستمكن السعودية وقادة دول الخليج بعد أيام في قمة الرياض مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما من المفاوضة بأوراق رابحة حول مسألة ميزان القوى في المنطقة مع تراجع الحضور الأمريكي. في الحقيقة ليس ثمة أمر جديد منتظر من قبل أوباما المنتهية رئاسته، ولكن من منظور التزامات أمريكية تم الاتفاق بشأنها في قمة كامب ديفيد قبل نحو عام.