لا شك في أن للسلطة الحاكمة، منذ فجر التاريخ وحتى اليوم، الدور الأكبر في ترسيخ مكانة ومفهوم رجل الدين، أي دين كان.
كان الإسلام مختلفاً عن المسيحية واليهودية مثلا في خلوه من دور محدد وواضح للكهنوت، أو رجل الدين، ولكنه منح «العلماء» شيئاً من حق تفسير وتبرير كثير من الأمور، فجير هذا الحق للسلطة في عهود تالية، واستخدم غالبا لتبرير تصرفات الحكام، وخاصة المستبدين منهم. وبالرغم من كل ما قيل عن عدم وجود واسطة في الإسلام بين «العبد وربه»، فإن الواقع كان دائماً غير ذلك. فقد كان دور رجل الدين واضحا وبارزا ومؤثرا بشكل رهيب، وفي بعض المراحل، والمجتمعات والدول أصبح رجال الشريعة والفقه هم الحكام المباشرون.
ومع تطور أنظمة الحكم وتعقد الحياة، وترسخ دور أجهزة المخابرات، اصبح دور غالبية رجال الدين محددا بمهمة إلهاء الشعوب، وإشغالها في أنواع من الجدل الفقهي، وفي إصدار سيل من الفتاوى العجيبة والغريبة التي لا مجال لحصرها، والتي بإمكانها إلهاء مجتمعات كاملة عن همومها لفترات طويلة، وتحويل انظارها عن مشاكلها الحقيقية.
كما تطلب توفير الشرعية لبعض الأنظمة قيام رجال الدين بدورهم في توفير الغطاء الفقهي والشرعي لتلك الأنظمة، وهذا تطلب الصرف على عشرات القنوات الفضائية الدينية، وخلق جيش صغير من شيوخ السلطة أو «فقهاء السلاطين»، كما وصفهم المفكر العراقي علي الوردي، ونجح هؤلاء في القيام بدورهم خير قيام. وقد أتاحت هذه القنوات نجومية غير عادية لهؤلاء المشايخ، التقليديين والمودرن، بالبدلة وربطة العنق، مما دفع حتى أولئك الذين لا يحملون تخصصا دينيا، وخاصة من المفوهين وطلقي الحديث، لترك سابق تخصصاتهم، والانخراط في سلك «علماء الدين والدعاة»، بعد أن رأوا مدى سذاجة، وكرم من كان يستمع للغوهم، فكونوا ثروات لم يكونوا يحلمون بها. وقد ذكر الدكتور والكاتب خالد منتصر بعض الدعاة الذين حققوا شهرة كبيرة، وكانت البداية مع المذيع أحمد فراج، صاحب برنامج «نور على نور»، وزوج صباح، رمز الأنوثة الطاغية. ثم ظهر داعية، أصبح نجما بعد استضافة فراج له، وكان له دور في القضاء على أسطورة ناصر، عندما قال إنه صلى ركعتين شاكرا ربه على هزيمة مصر سنة 67!
ومع انتشار الفضائيات، زاد حب رجال الدين للظهور، وتحقيق الشهرة وما يتبعها عادة من نجومية، فرأينا عمرو خالد، ومحمد هداية، وخالد الجندي، وعلاء بسيوني، وأحمد عبدون، وغيرهم العشرات من رجال الدين والدعاة، مؤهلين وهواة، في السعودية والكويت بالدرجة الأولى، وبصورة أقل بكثير في الدول الخليجية الأخرى.