كنت أنوي الكتابة عن المفاوضات اليمنية، فقد كنت ممن قالوا إن الحرب لن تُحسَم عسكرياً، ولابد أن تنتهي بمفاوضات، وحددت أن المكان المناسب لتلك المفاوضات هو الكويت.
لا بأس، سنعود لليمن فلابد من صنعاء، وإن طال السفر، فالمفاوضات في بداياتها، ومساراتها صعبة ومعقدة، واللاعبون كثر، وربما تتعثر بأي لحظة، ولكن هذا هو الطريق الصحيح.
ظلت الكويت وستظل محطة مناسبة للتفاوض، سواء الفعال منه والمبادر، أو التفاوض الراعي والمستضيف. وهي نقطة تُحسَب للكويت وسياستها الخارجية، وقدرتها على أن تكون مقبولة، وذلك رصيد يضاف إلى مصادر القوة الناعمة، في منظومة الأمن الوطني. إذا هناك تفاؤل في اليمن، مشوب بالحذر، كما يقال، ولكن بالنسبة للكويت، فقد تحققت به مكاسب كثيرة سلفاً من اللحظة التي وافقت فيها أطراف النزاع على الكويت كمحطة انطلاق لسلام مفترض، لعل وعسى. هكذا نحن، ننجح في التفاوض الخارجي، ونفشل فشلاً ذريعاً في التفاوض الداخلي.
فنحن حالتنا تدعو للتشاؤم، حين تتخذ الحكومة إجراءات تعسفية ضد النقابات النفطية، لأنهم اتخذوا قراراً بالإضراب.
والإضراب هو حق مشروع للنقابة، بل هو الحق الوحيد الذي تستطيع النقابة اتخاذه للدفاع عن مصالح المنتسبين لها. والصراع في هذه الحالة مختلف عن الصراع السياسي الذي ساد الساحة السياسية منذ أواخر 2012 واستمر حتى حسم قانون الصوت الواحد، وملاحقة القائلين بآراء مخالفة للحكومة، سواء بالسجن أو بالتضييق المعيشي، أو بسحب الجناسي.
فالصراع النقابي، هو صراع مطلبي، يفتح آفاق المواجهة في المجتمع على مصراعيها، مع شرائح اجتماعية غير مسيسة بالضرورة، مما قد يوسع دائرة الصراع، وبالذات إن تمت المعالجة بنفس منطق الصراع السياسي. فالصراع السياسي يختلف عن الصراع النقابي.
لم يكن التمايز الواسع بين الوظائف الذي اندفعت فيه الحكومة لأغراض سياسية محموداً، ولكن من الذي فعل ذلك؟ ومن المسؤول عن تضخيم كادر هنا وكادر هناك، حتى صارت البلد كالبطة العرجاء وظيفياً؟ وهل هناك تصور للمحاسبة حتى لا يتكرر تخريب البلد بفعل فاعل؟
أما وقد حدثت الزيادات، فلا يمكن حلها بتجاهلها، ولكن يتم عبر تفاوض جاد مُضنٍ ومتعب ربما.
فالإضراب أداة مطلبية، بل هي الأداة الأساسية التي تمكن العاملين من الدفاع عن حقوقهم، وهي بالتأكيد ليست حراماً، ولا ممنوعة، ولا تتعارض مع القانون، ولذلك يمكن حل جمعيات النفع العام بقرار إداري، ولابد من حكم محكمة لحل النقابة. بل إن نوايا حل النقابات ستعرض الكويت مرة أخرى لسوء السمعة، وربما لعقوبات دولية.
هناك حاجة لمن لديهم شيء من عقل للجلوس للتفاوض، وإلا فإنها بداية لنفق طويل مظلم لا يعلم إلا الله نهايته.