وقع حادث سير لصديق يعيش في لندن. وعلى الرغم من بساطة الحادث، فإن الأمر كلفه تاليا الكثير. حضرت الشرطة وشكوا في انه كان تحت تأثير قدر من المسكرات، فأخبر بأن أمره سيحال الى محكمة المرور. في اليوم التالي اتصل صديقنا بمحام، فطلب منه هذا أن ينكر تناوله اي شيء، فقد يحكم عليه بغرامة، ويمنع من القيادة لسنوات. بعد سنتين من المرافعة والغياب والحضور والمكاتبات، طلب منه المحامي الاقرار بالخطأ، وهو الشيء نفسه الذي منعه من القيام به عندما وقع الحادث، فحكم بدفع غرامة مالية، وسحب ترخيص القيادة منه لسنة، واضطر فوق كل ذلك الى دفع 5 آلاف جنيه أتعاب محاماة، وكان بإمكانه تجنب الكثير، لو طلب الصلح منذ اليوم الأول.
تذكرت تلك القصة وأنا اقرأ خبر اتفاق الأطراف المتحاربة في اليمن على إعلان الهدنة والبدء في مباحثات سلام في الكويت لإنهاء صراعهم، وهو الأمر الذي طالب الكثيرون به، ونحن منهم، منذ اليوم الأول، لإحساسنا أن الدخول في مغامرة قتالية في اليمن، بالذات، أمر يبدو سهلا، ولكن كسب تلك الحرب هو الصعب، ليس فقط بسبب صعوبة تضاريس تلك الدولة، وشراسة قبائلها، وتعدد فرقها، بل وأيضا لما لدى أهلها من كميات سلاح رهيبة لا يمكن حصرها. ولكن يبدو أن قدرنا أن نكرر أخطاء غيرنا، غير مدركين أن هذا هو اليمن، وسيبقى كذلك. وهنا أتذكر ما كان يردده جماعة عبدالله السلال، المدعومون من الجيش المصري، عندما كانوا يحاربون القوات الملكية المدعومة من السعودية، من أنهم سيستمرون في محاربة الملكيين إلى آخر قطرة دم في جسد آخر جندي مصري!
الحرب في اليمن لم ينتج عنها فقط خسارة ما لا يقل عن ستة آلاف قتيل واضعاف ذلك من الجرحى، وتشريد الملايين وخراب البنية الفوقية والتحتية لمدن تاريخية، هذا غير توقف غالبية أنشطة الدولة، غير الحربية، بسبب الصراع، فقد أدى غياب السلطة المركزية لبروز تنظيم القاعدة الإرهابي والانتشار أكثر، ففي تقرير لـ «رويترز» ورد أن أن القاعدة أصبحت أقوى واكثر غنى، بعدما ملأت الفراغ، وكونت لنفسها دويلة في مدينة وميناء «المكلا»، والتي سبق وان تغنى فهد بلان بجمال بناتها، وجعلوها عاصمة لدولتهم، بعد أن نهبوا أموال البنك المركزي فيها، وفرضوا الضرائب على سكانها البالغ عددهم نصف مليون نسمة، وكسبوا الكثيرين منهم لصفهم، بسبب نجاحهم في فرض الأمن، وحقد الأهالي على ما كان يلقوه من سوء معاملة على ايدي جيرانهم الشماليين. كما نجح التنظيم في فرض الاتاوات على السفن التي تمر في المنطقة، وتحصيل الضرائب على الوقود المهرب، بحيث وصل دخلهم اليومي لأكثر من 7 ملايين دولار، وهذا مكنهم من النمو ماديا وعدديا، بالرغم من كل الخسائر البشرية التي أوقعتها بهم غارات الطائرات الخليجية، وطائرات الدرون الأميركية، ولم يكونوا يوما أقوى وأكثر غنى مما كانوا عليه قبل عشرين عاما، يوم أسس بن لادن التنظيم.
* * *
ملاحظة: عمال البترول يهددون بالإضراب اليوم، ومجلس الوزراء يهدد المضربين بأوخم العواقب، والبلاد تواجه أزمة توقف دخلها، ولكن لا احد يود ذكر اسم الوزير الإخواني، البصيري، الذي وضعنا في هذا المأزق وارتكب هذا الفعل الذي لا يغتفر.