قبل احتلال العراق واشتعال ثورات الربيع، كانت المنطقة العربية يسودها شيء من الهدوء النسبي إذا ما استثنينا قضية «الصراع العربي ـ الإسرائيلي» المزمنة.
فقد كان من الواضح سيادة منظومة دول الخليج العربية ومصر حسني مبارك، بجانب مملكتي الأردن والمغرب للنظام الإقليمي العربي، بعد خروج العراق من معادلة القوى في منطقة الشرق الأوسط فترة حصار نظام صدام وقبل سقوطه.
كل ما سبق جعل تهديدات الأمن الإقليمي العربي تنحصر إلى أدنى مستوى لها منذ أن نشأت الدول العربية الحديثة في ظل غياب الصراعات السياسية والايديولوجية البينية، وترجيح الكفة العربية في ميزان القوى بالمنطقة نسبة إلى مصادر التهديد الأمني التقليدية وأقصد «إيران» بالتحديد، وتخفيض حدة التهديدات الإسرائيلية للأمن العربي إلى مستويات متدنية جدا وحصرها في نطاق جغرافي ضيق.
تلك التحولات الاستراتيجية في النظام الإقليمي العربي كانت ستؤدي إلى ضعف النفوذ الغربي على المنطقة العربية، خصوصا إذا ما أضفنا «عامل النفط» وأهميته ضمن مصادر القوة للنظام العربي الذي كان في طور التشكيل.
ومما لا شك فيه فإن تلاقي المصالح الغربية والإيرانية والإسرائيلية ضد مشروع النظام العربي الجديد أخد هداه في الخفاء، فكانت قصة الحرب على أفغانستان والعراق وتسليمه للإيرانيين، ودعم ثورات الربيع العربي التي فشلت في تحقيق الديموقراطية ونجحت في تحطيم عدد من الدول العربية.
وتطبيقا لأحدث النظريات الإستراتيجية الأميركية نظرية سياسة الهدم وإعادة البناء للداهية «كيسنغر» تم هدم العراق وسورية وليبيا واليمن ومازال البناء وفقا للمصالح الغربية جاريا وتحت الإنشاء.
ونظرا لتتابع الأحداث المأساوية في المنطقة العربية، تحطم المشروع العربي لصالح إيران وإسرائيل والغرب.
بدأ المشروع الإيراني وهو الأخطر من بين المشاريع التي تستهدف العرب وذلك لاستخدامه عامل «المذهب» ولتغلغل إيران في بعض الكيانات الاجتماعية داخل الدول العربية.
ختاما، مازال الأمل في إعادة إحياء النظام العربي مستمرا، اذا ما أخذنا في الاعتبار جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة المشاريع الاقليمية المضادة.
فقد انطلقت السعودية سريعا من تأمين وتوحيد دول الخليج العربية تجاه مخاطر المشاريع المضادة، الى مواجهة الخطر في اليمن بكل حزم، مع إعطاء الأولوية القصوى لدعم استقرار مصر، محاولة منها لإعادة مصر إلى لعب دورها المهم جدا في قيادة النظام العربي.
ويبدو أن المملكة السعودية نجحت في تكوين نواة للنظام العربي الجديد بقيادة سعوديةـ مصرية تعاونية وليست تنافسية، تعتمد على الشراكة الاستراتيجية الاقتصادية لا على المصالح العابرة، وزيارة الملك سلمان الأخيرة لجمهورية مصر وما صاحبها من اتفاقيات تؤكد على ذلك.
٭ الخلاصة، المنطقة العربية تعج بالمشاريع الدولية والإقليمية، فهناك المشروع الإيراني والمشروع الإسرائيلي، بينما تعيش المنطقة حالة من التوافق الأميركي ـ الروسي المعتمد على حرب باردة بين الخليجيين وايران يضبطها ويستفيد منها الاميركان والروس.
وبين هذا وذاك، يبرز مشروع الملك سلمان الذي يسعى الى تشكيل نظام عربي جديد يمثل مصلحة العرب لا مصالح الآخرين.