لطالما تغذي كل من مراكز الدراسات والأبحاث والتقارير الصحافية معا آراء مثيرة قلقة ومانشيتات تستهلكها الصحافة ولا سيما الغربية منها حول السعودية بنهم كبير، آراء مسبقة مغلوطة حول المملكة، أو أن تكتوي السعودية بنيران المنطقة وحروبها الأهلية والطائفية، أو حتى تتأثر اقتصاديا بسبب تراجع النفط. في الوقت الذي تعتقد فيه أوساط بحثية أمريكية أخرى تناقض ذلك بأن السعودية لها يد صلبة وموقع راسخ في المنطقة وبأنها ما زالت تسيطر على القرارات الأمريكية في الشرق الأوسط، على الرغم من اتفاقية المشروع النووي الأمريكي الإيراني في عهد أوباما، الذي قابلته السعودية بفتور، وهذا ربما ما يختصره تقرير على موقع فوكس الأمريكي يعتقد أنه وعلى الرغم من أن أوباما يسبح عكس التيار، إلا أن ما تريده السعودية هو الذي يحدث في النهاية! لكن كل ما يقال حول السعودية ربما تختصره مقولة لوزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر في تصريح صحافي العام الماضي قال فيه “هذا وقت حرج وحساس للغاية في الشرق الأوسط، وفي الوقت الذي يبدو فيه أن كل شيء سينهار، فإن المملكة السعودية تبدو واحة للاستقرار..”.
وفقا لـ”عقيدة سلمان”، تتبنى السعودية تبعا لتحديات المرحلة، سياسة خارجية وإقليمية جديدة أكثر حزما. والشرق الأوسط منطقة استراتيجية حساسة بالنسبة لقوى إقليمية كما هي بالنسبة لقوى دولية. وحين استغلت إيران التعثر الأمريكي في العراق والوضع في سورية، لكسب مزيد من أوراق الضغط والمناورة في المنطقة خدمة لأهدافها، حاولت تركيا بناء علاقات تعاونية في المنطقة العربية، للمناورة أيضا ولدعم سياستها الخارجية. كذلك الأمر بالنسبة لقوتين كروسيا وأمريكا. ومع أحلك الظروف وعلى الرغم من الثورات العربية المفاجئة التي أسقطت أنظمة حليفة، استمرت السعودية بعلاقتها الوثيقة عربيا مع مصر، كجناحين هما العمق الاستراتيجي للمنطقة ككل. وقد راقبت السعودية بحذر العواقب التي قد تخلفها الثورات من ذلك إمكانية الواقع السياسي الجديد في الأنظمة الجديدة صنع أنظمة مستقرة في تونس وليبيا واليمن مثالا. وحين انشغل كثير من الدول العربية بأوضاعه وصمتت أخرى مع قمع الأسد للثوار والتهاون بدماء السوريين، تحركت السعودية وحذرت نظام الأسد من مغبة ذلك، هو النظام الذي لطالما انتهج سياسة خارجية انتهازية بعيدة عن الصف العربي في علاقاته مع إيران.
تغيرات بنية النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين جعلت من الشكل السياسي والإقليمي والدولي مسرحا يتطلب ليس فقط التفاعل السياسي مع الأحداث بل المبادرة الجسورة والقيادية تجاهها. ولم تكن السعودية طوال هذه المرحلة الحساسة مجرد قيادي مع تحالفاتها إقليميا ودوليا، فالسعودية أيضا مؤهلة إلى توسيع أفق سياستها الخارجية ليشمل ما حول المنطقة في آسيا وإفريقيا. وقد أقامت المملكة تحالفات جديدة وعززت علاقات وصداقات سابقة، منها تحالفات وظيفية وموضوعية مع روسيا تخص الوضع السوري أو استثمارات وعلاقات اقتصادية بعضها يختص بالنفط أو المشتريات العسكرية. ولا شك أن بعض التحالفات والعلاقات يشير بصيغة أو بأخرى إلى ضعف النفوذ الإقليمي لأمريكا في عهد أوباما. ووفق “عقيدة سلمان”، تقوم السعودية بملء الفراغ الاستراتيجي، وذلك من خلال تبني سياسة خارجية حازمة لتحقيق الاستقرار في المنطقة. وهي بطبيعة الحال عقيدة تتعامل مع القوة العسكرية كخيار ضروري إن تطلب الأمر، تماما كما التخلي عن دبلوماسية القيادة من الخلف إلى سياسة القيادة من الأمام.