في إحدى دول أميركا الوسطي تم اكتشاف النفط في منطقة تسكنها مجموعات من السكان الأصليين الذين مازالوا يعيشون نظام الحياة القديمة قبل أن يغزوهم الإسبان ويستعمروا بلادهم، وهي حياة شبه بدائية، وكانوا تقريبا غير مكترثين بالحياة السياسية التي كانت نشطة جدا في ذلك البلد اللاتيني الصغير، الذي كان علي الرغم من صغر مساحته مليئا بالأحزاب والنشطاء السياسيين الذين لم يألوا جهدا في محاولة جر تلك القبائل للانضمام لأحزابهم وتوجهاتهم، أو حتى دعمها عن طريق التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لكن كانت جهودهم تذهب أدراج الرياح لأسباب كثيرة أحدها أنهم لم يجدوا أي فائدة أو تأثير لتلك الأحزاب على حياتهم التي كانت بسيطة، فهم ينتجون قوت يومهم ويسكنون في بيوت بدائية.
لكن فجأة تم اكتشاف النفط في مناطق تلك القبائل، وقامت الشركة الوطنية بالبداية بعمليات الحفر وإنتاج النفط في تلك المناطق، وكان السكان يرون تلك الشاحنات وتلك الناقلات تشق طرقات مناطقهم ذهابا وإيابا.
لم يكترثوا في البداية لكن بعد فترة ومع احتكاكهم مع عمال النفط اكتشفوا منهم أن هذا النفط يدر على الدولة عشرات الملايين شهريا تدفع منها الدولة رواتب مجزية وكبيرة لعمال النفط.
وقد رأوا بعض آثار تلك الرواتب في الأشياء الجديدة والغريبة التي رأوها في سكن ومجمعات عمال النفط كالهاتف المحمول والكمبيوتر والصندوق السحري المسمى التلفاز.
هنا بدأت الهمسات ثم تحولت إلى كلام صريح ثم إلى تساؤلات جريئة «أين نصيبنا من كل هذا؟».
تعاملت الحكومة بحكمة كبيرة مع الموضوع خاصة بعد رؤيتها للعديد من الساسة وأفراد الأحزاب يجولون بين القبائل ويحرضون على القيام بنشاط أكثر للمطالبة بحقهم من البترول، فماذا فعلت الحكومة؟
قامت بصرف راتب مقطوع لكل رب عائلة واستقطعته من أرباح النفط.
هنا انتهى الموضوع وعاد السكان الأصليون لحياتهم العادية وانشغلوا بصرف تلك الشيكات الشهرية الآتية من الحكومة المركزية.
لكن بعد عدة سنوات ومع مجيء حكومة جديدة ذات توجه يميني محافظ قررت الحكومة خصخصة الشركة الوطنية للنفط وتسليم كل أعمالها لشركات صينية تقوم بحفر وإنتاج وببع النفط في عملية واحدة، مقابل رسوم وضرائب على أرباحها للحكومة المركزية.
وطبعا الشركات الصينية أوقفت صرف المخصصات التي كانت تذهب للسكان المحليين.
بعد أسبوع واحد فقط من توقف تلك الشيكات هبت تلك القبائل عن بكرة أبيها وقطعت عشرات الأميال مشيا على الأقدام لتحتل العاصمة وتملأ ميادينها، وكانت رسالتهم لمختلف الأحزاب «في السابق كنتم تبحثون عنا.. الآن نحن نبحث عنكم.
وجهونا ماذا نفعل؟». وباقي أحداث تلك الدولة الصغيرة هي الآن مسطرة على أوراق التاريخ الحديث.
نقطة أخيرة: عند الاقتراب من مصادر رزق الناس عليك أن تفعل ذلك بحذر شديد وبحساسية كبيرة وبكثير من التدرج وعدم حرق المراحل.
آخر مقالات الكاتب:
- الإستجواب الغير مستحق
- أمنية من أهالي «عبدالله المبارك» لعناية وزير الأوقاف
- لا والله إلا شدو البدو يا حسين
- درس كبير في السياسة من صاحب السمو
- 2017 قررت أن أكون سعيداً
- بديت أشك في الوسادة
- توظف 8000 كويتي وتربح سنويا 200 مليون..لماذا تخصخصها وتفككها؟!
- مرحبا بملك السعودية التي هي سندنا يوم غيرنا مالقي له سند.
- إخضاع عمليات السمنة في «الخاص» لرقابة أقوى
- انتهت انتخاباتكم تعالوا نرجع وطناً