هذه الحكمة قالها «بوذا» قبل الميلاد، وقال وفعل الكثير الكثير غيرها. تصادف معي قبل أسبوع حدثان ثقافيان، الأول هو متابعتي لبعض محاضرات الخطيب الديني الهندوسي جوبال داس، وهو ينتمي لمنظمة شبابية هندوسية تدعو الشباب الهندوس الى أخذ الحياة بإيجابية واستخدام طاقات الانسان الذاتية في التعامل مع صعوبات الحياة. الصدفة أن كتاب «ديانات أخرى» لأنيس منصور، والذي اقرأه اخيراً، يتكلم عن الموضوع نفسه: الديانات القديمة كالهندوسية والبوذية والزرادشتية، وكيف أن هذه الديانات اجتمعت – سبحان الله – على الارتقاء بالإنسان، وكأن محور الدين هو الإنسان وليس العكس. فهم هذه الأديان من منظور المؤمنين بها يختلف تماماً من فهمها عن طريق غير المؤمنين بها، ناهيك ان يكون الشارح عدواً لها ! عداءً سياسياً أو أياً كان.
لذلك فإن كثيراً من التشويه ينقله اعداء دين ما عنه، على سبيل المثال كثير منا يعتقد ان تقديس بعض الديانات الهندوسية، للحيوانات كالفأر او البقر، هو عبادة لهذه الحيوانات، بينما هو في الواقع تقديس لتلك الروح التي تسكن جسد الحيوان، حيث يؤمنون بأن الروح لا تفنى، وتنتقل من جسد الانسان الى جسد الحيوان، فيعاملونها وكأنهم يعاملون جسد هذه الروح، حسب معتقداتهم. أما في ديننا الكريم، فالحديث يؤكد ويؤصل معنى العطف على الحيوان في قوله صلى الله عليه وسلم: في كل كبد رطب أجر، وهذا يؤكد أن الأديان تلتقي في فعل الخير واعمار الأرض والارتقاء في الانسان، لا معاداته.
ان القواسم المشتركة بين كل انسان وآخر، اعظم بكثير من تلك القواسم والحواجز التي بنتها معتقداتنا وعاداتنا وتقاليدنا، لذلك فإن بناء الجسور الإنسانية والعبور نحو الآخر – لا الهروب منه – هو سر نجاح هذه الحياة. وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان أول العارفين بهذا بحسن جواره لليهود واقتباس الصالح منهم، حين قال: أنا أحق بموسى منكم! فما هي الأحقية هنا؟ هي أحقية الصيام والخير والصلاح، وهذه هي القواسم المشتركة بين كل البشر.
ان الأديان والطُرق جميعاً، السماوية والوثنية، تشترك في مبدأ واحد: خير الإنسان، لذلك فإن أي فعل يؤدي الى مضرة انسان، لا يمكن ان يكون مباركاً من أي دين، مهما تغلّف بطقوس مقدسة او نادى بها الكهنوت او الامام او شيخ الطريقة. لذلك، فإنه بحق «الناس للناس»… لا ضد الناس ولا على الناس!