هذا ما كان يعتقده البعض، ويعبرون عنه بطرق مختلفة عندما كانت ترتفع الأصوات بمحاسبة الحكومة على سياساتها العامة، وسياستها المالية خاصة، متذمرين من الأصوات العالية، معتقدين أن ممارسة الرأي العام رقابته على السلطات يتنافى مع شكر النعم التي أنعمها الله علينا، فبمجرد ما كانت ترتفع وتيرة الرقابة الشعبية، وينشط الحراك في الشارع، يسارع البعض لإلقاء مواعظه بضرورة شكر الله على نعمه الكثيرة، وذلك بعدم إثارة المواضيع التي تستفز الحكومة، أو رفع الأصوات حتى لا تتسبب في إزعاجها، وهذا يعني ضمنا أن الشكر على النعم يكون بالسكوت عن التخبط في السياسات الحكومية وعدم رفع الأصوات للتنبيه على التردي بالادارة.
اليوم أدرك الجميع حجم الخطأ في منح الحكومة الثقة المطلقة، وحسن الظن بها، فقد صار باعتقادي واضحا للجميع أن المجلس الحالي ما هو في كثير من الاحيان إلا واجهة لتمرير مشاريع الحكومة، وأظن أن جماعة «الله لا يغير علينا» وجماعة «بالصمت تدوم النعم» قد أدركوا ذلك جيدا بعد أن وصلت أيادي الحكومة إلى جيوبهم، وصارت أرزاقهم مهددة بالانتقاص، بعد إعلان العجز في الميزانية بسبب هبوط أسعار النفط، والإعلان عن التوجه لرفع الدعوم وزيادة أسعار الكهرباء والماء، وربما قريبا الوقود، وبيع الشركات العامة للقطاع الخاص، وصارت سياسة الترشيد أمرا واقعا، وصار شعار «عدم المساس بجيب المواطن» غير صحيح.
لقد تم تشويه المعنى الحقيقي لمفهوم «بالشكر تدوم النعم» ليصبح الصمت عن السياسات الخاطئة، والتسامح مع الهدر في الأموال، وعدم الاعتراض على صرفها في غير مصارفها المستحقة، كل ذلك مرادف لشكر النعمة، وصار الضحية هو المواطن البسيط الذي اعتقد في لحظة ما أن أمواله وأموال أجياله القادمة في الحفظ والصون، لكنه فوجئ بأنه هو المتهم الأول والمتسبب الرئيسي في العجز بالميزانية، بسبب إسرافه وتبذيره، لذلك فإن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يبدأ من جيبه!
الشكر الحقيقي لنعم الله تعالى يكون بحمايتها، وعدم العبث بها، ومحاسبة كل من يقصر في الحفاظ عليها، أو يستغلها لمصلحته الخاصة، أما التبذير والهدر والتنفيع وشراء الولاءات والمشاريع الوهمية، وملاحقة المخلصين والناصحين، فهي التي ستقودنا إلى الهاوية.. والله الحافظ!