لا يمكن حصر عدد السياسيين الذين تسلقوا سلم الدين، أو تلحّفوا بالطائفية، إما للإثراء، أو لتحقيق مآربهم وتطلعاتهم السياسية، فالعدد كبير.
***
بدأ النائب عبدالحميد دشتي حياته السياسية بالترشح لعضوية مجلس الأمة في فترة ما بعد التحرير. لم يحالفه الحظ في أكثر من دورة، وكتبت عنه وعن سيرة حياته المالية وسلوكه، و«شهاداته» أكثر من مقال، وكان انتقادي له ولمجمل تصرفاته أكثر من قاسٍ، ولا أعتقد أن أحداً انتقده بمثل ما انتقدته، لدرجة أن خصومه استعانوا بما كتبت للنيل منه، وهذا ما لم يسرّني، فأولئك لم يقلّوا يوماً عنه تطرفاً وتحزباً مذهبياً مقيتاً.
مع زيادة الشحن الطائفي في الوطن والمنطقة، وزيادة حدة الاستقطاب الإقليمي، اكتشف الرجل، كما اكتشف غيره من قبل، أن المغالاة في التطرف المذهبي قد تكون الوسيلة الأسهل، والأكثر ضماناً، للوصول إلى عقول المواطنين، والمغيبين منهم بالذات، وكسب أصواتهم الانتخابية.
نجحت الفورميولا، أو الوصفة، ووصل المئات إلى الكرسي الأخضر، وأصبحوا، بكل إخفاقاتهم في الحياة، من كبار السياسيين والمهيمنين على أسلوب معيشتنا، ومشرعي قوانيننا.
زاد أوار التطرف مع اشتعال المنطقة بالحروب الطائفية، التي دفعت بعض السياسيين المتطرفين دينياً، والأبعد عن ذلك في حياتهم الخاصة، إلى زيادة حدة استقطابهم لهذه الجهة أو تلك، وخاصة بعد أن رأوا فيها فرصة لزيادة شعبيتهم، وتجذيرها لدى العامة والبسطاء من الناخبين، الذين تلقى عادة شعارات المظلومية الطائفية، أو التوجس من الآخر، صدى في نفوسهم.
ما أود قوله إن النائب عبدالحميد دشتي يمثل بالنسبة لي، بسابق سيرة حياته، ونشاطه السياسي وآرائه ومواقفه، كل ما أبغض أو لا أريد، وكنت الأكثر انتقاداً له على مدى عشرين عاماً، ولست من حزبه ولا أحسب على طائفته، ولكني لا أملك هنا، في ظل كل هذا التناحر الطائفي، وهذا التشدد الغريب والانتقامي من مواقفه الأخيرة، إلا أن أقف ضد من يطالب بتجريده من عضويته في مجلس الأمة، أو نزع حقه في المواطنة، وتخوينه، ليس فقط لأن الرجل لم يرتكب جُرماً يستحق كل مشاعر الحقد والموقف العدائي منه، بل وأيضا لأن المطالبين بمعاقبته ليسوا أقل طائفية وتطرفاً منه، وبالتالي يجب ألا ينجرّ المجلس، وبالذات من تبقى فيه من عقلاء، لمثل هذه الدعوات المتطرفة!
ما ننساه أحياناً، أننا جميعاً معرّضون يوماً، لمثل ما تعرَّض له هذا النائب من حقد وعداء وعقاب! وبالتالي يجب ألا نجعلها سابقة، فقد أكلت الثيران جميعها يوم سكتت عن أكل الثور الأحمر، أو الأخضر، إن شئتم.
• ملاحظة: انتهت فترة خدمة الصديق، خضر حلوة، سفيراً للبنان الجميل، بعد ان تعذر التمديد له أو تعيين من يحل مكانه، بسبب شغور منصب رئاسة الجمهورية. لقد كان سفيراً مميزاً، وشخصية سيفتقدها كل من عرفها، وسيبقى ما قام به لأجل وطننا شاهدا على جميل فضله.