لم يعرف تاريخيا عن مرشحي الرئاسة الأميركية إلمامهم بالسياسة الخارجية، وكانت تلك نقطة ضعف غالبيتهم. وبالتالي لم يكن غريبا ما صرح به سيناتور تكساس، ومرشح الرئاسة «تد كروز Ted Cruz» من أن وضع العراق وليبيا في عهد صدام والقذافي كان أفضل بكثير مما هو عليه الآن! وهذا تصريح لا يتسم فقط بالسذاجة، بل بعدم إدراك لحقائق السياسة والتاريخ، والغريب أن الكثير من «كبار محللينا» وجيش من بسطاء مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وابطال القنوات، يرددون الكلام نفسه، غير عابئين او مدركين أنه لولا فترة حكم صدام القذرة والقذافي المشؤومة، وغيرهما من دكتاتوريي المنطقة من دون استثناء، لما وصل حال بلديهما الى ما هو عليه الآن حتما. نعم كان الشرق الأوسط أكثر أمانا «ظاهريا» بوجود القذافي وصدام وغيرهما من الدكتاتوريين، ولكن ماذا عن الظلم الذي كانت ترزح تحته شعوبهم، وماذا عن فقدان الأمن والاطمئنان في قلوب الملايين من مواطنيهم، وماذا عن السجون السرية والتعذيب والاختفاء القسري والمقابر الجماعية، وقص الألسن وجدع الأنوف وفقع عيون المعارضين؟ ألم تؤدِّ تلك الجرائم لما نشاهده الآن من قسوة وقتل وبطش تنكيل ببعضهم بعضا؟
الإنسان بطبعه سريع النسيان، فنحن عندما احتلت قوات صدام وطننا كنا على استعداد للتضحية بكل شيء لاستعادة وطننا الحبيب، والقبول بكل شروط أميركا والغرب، والقيام بـ«إللي ما يتعملش» لكي يتحرر وطننا، ولكن ما ان حدث ذلك، واستعدنا حريتنا وعادت لنا بلادنا، نسينا خلال شهر أو اقل أفضال العالم علينا!
وهذا ما حدث مع ملايين الأمهات الثكالى من ضحايا صدام وجرائمه، وملايين العراقيين الذين تعرضوا لكل صنوف التهجير والقتل والتعذيب، ليأتي اليوم ويتحسروا، كما تحسر ذلك السياسي الكويتي السخيف، في تغريدة على التويتر، على حكم صدام وايامه، فتقدمت له ابنة صدام بالشكر!
وبالتالي فإن ما يحدث الآن في العراق وليبيا، وبالتبعية في سوريا واليمن يتحمل تبعاته بالدرجة الأولى رؤساء تلك الدول، بصرف النظر عن الأسباب التي دفعتهم لتلك المواقف، فقد فشل صدام والقذافي، طوال أكثر من ثلاثة عقود، في التخلص من النظام القبلي العشائري في بلديهما، وعدم قدرتهما على تمهيد الطريق لحكم ديموقراطي، وبالتالي مهدا الطريق للخراب والسرقات التي تعرضت له دولتاهما.
وبهذه المناسبة أتذكر، عندما كنت أزور بعض الديوانيات، بعد التحرير، ذلك المديح الذي كان يكال لكتاب «اقتصادنا» للسيد محمد باقر الصدر، وكيف ان به حلولا لكل مشاكلنا. وكيف أن صدام منع نشره. وكنت أدخل في جدال مع من كانوا يروجون لفكرة الكتاب، بالقول انه لا يختلف عن بقية كتب «الاقتصاد» التي وضعها وروج لها عتاة الإخوان المسلمين، والتي لم تخرج عن كلام مصفف، ولكن من دون مادة قابلة للتطبيق.