كانت قبيلة الرشايدة من بين قبائل المملكة العربية السعودية، التي لم يصلها الارهاب، ولم تسجل عليها قضية ارهابية شارك فيها رشيدي، وكنت ممن يعتز بهذا الوضع الذي يدعو الى الافتخار.
واليوم نحن أمام فاجعة بطعم ولون العمليات الارهابية، أقول فاجعة، لأن كل ركن من أركانها يدمي القلب! فالضحية شاب متزوج وأب لطفلين وزوجته في شهرها الثالث، وتم قتله غدراً، والأكثر إيلاماً أن القتلة أبناء خالته وأبناء عمومته، وليسوا غرباء عليه، أو أعداء لقبيلته أو عشيرته! والأكثر ايلاماً ان القاتل طبيب في مستشفى خاص، ومساعده مهندس، والبقية طلبة في الجامعة، وليسوا أبناء شوارع أو خريجي سجون أو أصحاب سوابق ومخدرات! اذاً ما هو الدافع لهذه الجريمة البشعة، التي تمت بدم بارد لا يتواجد الا عند حيوانات السافانا المتوحشة؟!
انا لم أستغرب ان يخرج من قبيلة تعدادها مئات الألوف من يتجاوز أحكام الدين وأنظمة القانون، لكن أستغرب كيفية وصول الفكر الداعشي المتطرف الى طبيب ومهندس وطالب جامعة؟! انا أعلم جيداً ان مناهج التعليم لا تدعو الى هذا الفكر الضال، كما ان الجو العام لا يدعو الى قتل ابن العم بهذا الدم البارد، مهما كانت الظروف. اذاً هناك خلل لم نستوعبه حتى الآن، جعل الشخص ينحرف في فكره ومشاعره وسلوكه، ويبيح لنفسه ازهاق الارواح البريئه بحجة قربها وبعدها عن الدين!
القضية التي يجب الانتباه لها ان الاعلام اليوم يدخل كل بيت وكل غرفة، وفي كل وقت على مدار الساعة من دون رقيب ولا حسيب، حيث تم تركيز الرقابة فقط على الطرح السياسي وتقييده باتجاه نقد السلطة وأنظمة الحكم في المنطقة العربية! ولعل من أسباب انتشار هذا الفكر المنحرف محاربة الفكر الاسلامي المعتدل وتشويهه وشيطنته، وتركيز وسائل الاعلام الرسمية وغيرها على اظهاره بالفكر الضال وتجريم الاقتراب منه، مما جعل الكثير من الرافضين لواقعهم يتجهون الى حاضنات تربوية خارج نطاق الرقابة الحكومية والاسرية، ليجدوا فيها شعارات افتقدوها في بيئتهم، بل ان طرحها في مجتمعاتهم أصبح جريمة يعاقب عليها القانون، لذلك انخدعوا بشعار «داعش»، الذي أعلن الدولة الاسلامية تحت شعار كلمة التوحيد، وبدأ شكلياً في تطبيق الحدود الشرعية بشكل مشوه وبعيد عن روح الشريعة ومقاصدها!
ان انشغال الاعلام الرسمي والخاص بمحاربة الجماعات الاسلامية ذات الطرح الوسطي المعتدل، فتح الساحه للاعلام الداعشي، الذي لا تمنعه رقابة ولا قانون مطبوعات، وحرم المجتمع من تأثير التيارات الاسلامية المعتدلة في الساحة الدينية، وقلّص من امكانية تأثيرها في الشباب لمواجهة الفكر المنحرف!
الرأي يواجه بالرأي، والحجة بالحجة، والقصاص من القتلة مطلوب، لكنه لا يوقف انحرافهم، فقد تقتل منهم عشرة، لكن الواقع يخرّج مقابلهم عشرات، والتهديد لم ولن يمنعهم من المضي في غلوهم، فهم تربوا على انهم مسلمون، ونحن كفار، لذلك حسب فهمهم فإن قتلاهم في الجنة وقتلانا في النار (!!) لذلك ان أردنا محاربة هذا الفكر فاطلقوا العنان للفكر المعتدل يملأ الساحة عليهم، بدلاً من الاستمرار في محاربة كل ما يمت للدين بصلة، وتبرير كل المخالفات الشرعية بحجة حاجة الناس الى الفرح والانفتاح!
وعوداً الى بدء، فإن كانت قبيلة الرشايدة تفتخر بعدم وجود داعشي منها، فإنها اليوم تفتخر بمطالبتها بالقصاص من القتلة وإن كانوا من أبنائها!