لتعرفوا كيف يدار البلد، وحجم الفساد واللامسؤولية عند الحكومة، أو أجهزتها التابعة مثل البلدية، أو مجلس أمتها وغيرهما في ديرة المحسوبيات، وتفصيل المناقصات، لديكم مشروع القرية التراثية بالعاصمة، الذي نشرت هذه “الجريدة” موضوعه بتحقيق مبسط في عدد أمس.
حين تسير على شارع الخليج، وتقف مقابل نقعة الشملان، تشاهد ذلك التشوه الكبير في صورة منشآت أسمنتية بإعلان جداري قبيح كتب عليه “القرية التراثية”، ومعه صور إعلانات ضخمة تغطي “عورات” المشروع، وتعلن بكل وقاحة موته وموت مبدأي المسؤولية والمحاسبة القانونين.
حوالي عشر سنوات مرت على توقف العمل به، ولا تعرف حتى الآن مَن المسؤول عن هذا العبث! حسب تحقيق جريدة “الجريدة”، فإن الشركة التي أخذت المشروع بعقد “بي أو تي” تلقي عبء المسؤولية وفشل المشروع وتوقفه على أجهزة الدولة، أي الحكومة، والمجلس البلدي أو البلدية يحمل الشركة، والجهاز الحكومي لم ينطق بكلمة واحدة يحمّل فيها جهة ما (ولو مجهولة) مسؤولية الفشل وتحديد الخطأ، والمشروع كما نقول، وقد مللت من تكرار هذه العبارة “على حطة إيدكم” عبارة عن تشوهات أسمنتية تثير الحزن والغثيان، و”تشهد (تحجي) حاضر بلادي”، كما تردد سناء الخراز عن أبراج الكويت قبل عقود، والآن “حاضر بلادي” هو تلك القرية ومعها المؤسسات السياسية والإدارية المهترئة، التي تدير هذه القرية الكويتية الكبرى.
لماذا مشروع القرية التراثية الآن؟، وما مناسبة الحديث عنها في وقت شحت فيه أموال النفط، وحشرت الإدارة السياسية قضيتها “ما بين حانا ومانا”، لخلق تصورات تخفف من حجم العجز المالي، مع أنه لا يصح أن يكون هو القضية، إنما العجز الفكري وما تناسل منه من عجوزات سياسية وإدارية، وغياب المؤسسات وحكم القانون هو أساس قضية البلد من البداية حتى النهاية، فمشروع القرية مثال حي يمكنكم أن تشاهدوه كل يوم، لعل وعسى يثير فيكم بعضاً من الوعي بحجم الفشل السياسي والإداري في الدولة.
طبيعي وأمر عادي، التحدث عن مشروعات الفشل والفساد والفضائح المالية، التي لا تُعد ولا تُحصى، ولا تعرف أين تبدأ وأين تنتهي، من استاد جابر أو مستشفاه أو عقد الداو، أو محطة مشرف، أو المطار أو أو أو أو بلا نهاية… باختصار اغمضوا أعينكم ومدوا أيديكم فستلامسون الفساد وغياب المحاسبة معه كأنها كائنات حية تتحرك وتمشي متبخترة بكل غطرسة التجبر والتكبر في الدولة، لكن الآن تمثل القرية التراثية في العاصمة رمزاً حياً وواقعاً مادياً ترونه كل يوم، وتمرون عليه مرور الكرام، ويفترض أن يثير وعياً بحجم كارثة الإدارة بهذه الدولة، وحجم الفساد وغياب المسؤولية عند من يجب عليهم تحمل عبء إدارة الدولة.
حين يجرح أبصارنا اللون البني للطوب والأسمنت على جدران القرية التراثية، أتمنى أن يثير قلقكم أولاً، وغضبكم ثانياً، بأن الكويت مع حالها الاقتصادي البائس الآن قد أصبحت بكاملها مثل هذه القرية التراثية، طرحوها لمشاركة بي أو تي، أي “بوق ولا تخاف” بعبارة أحمد السعدون، وهكذا تصير الآن مجرد أطلال تعلمنا كيف تخلق الأمم الفشل، وكيف تحيا به.