تحل علينا الذكرى الخامسة والعشرون لتحرير الكويت من الاحتلال، مما يجعلنا نتساءل: هل حقاً مضى كل هذا الوقت؟
لم تكن أزمة عادية، ولم تكن كالأزمات التي تكابدها الشعوب بين فترة وأخرى، بل هي من ذلك النوع الذي يأتي مرة واحدة في تاريخ البشر، وقد لا يأتي أبداً.
ما أصعب أن يفقد إنسان هويته، ووطنه، ويصبح مشرداً. بالنسبة لنا ممن اختاروا الصمود ومواجهة المحتل بصدور عارية، كنا نشعر بقوة إضافية، فقد كان بقاؤنا حقاً يراد به حق. ربما أدرك بعضنا لماذا يبقى أهل البلاد المدمرة في مواقعهم. تلك القوة المضافة كانت تجعلنا أقوى من جحافل الاحتلال الباهتة. حتى عندما وقعنا في الأسر، لم أشعر أن المعادلة قد تغيرت، كنا أقوى من سجانينا. كان عددنا ١١٨٢ أسيراً، من كل زاوية من زوايا الوطن، ومن كل مذهب ومصدر، بما في ذلك بالطبع عدد لا يستهان به من البدون. ربما تعلمنا هناك في معتقل “أبوصخير” أو “قرمة علي” أنه لا حدود للقوة الذاتية إن تماسك الناس في مواجهة الخطر، وأن الحرية ممارسة وليست شعارات، وأن حب الوطن لا يحتاج إلى قوانين ونظم ولوائح، وأن الوحدة الوطنية، كما يطلقون عليها هذه الأيام، أسهل مما يتخيلون، وهي قابعة في حنايا النفس، وأنهم كلما تحدثوا عنها، وأعلنوا رغبتهم في الحفاظ عليها، وزادوا في الحديث عنها، دل ذلك على خلل حقيقي في تلك الوحدة الوطنية.
وصلنا خبر تحرير الكويت ونحن في معتقل أبوصخير، من خلال راديو موجة واحدة، اشتريناه خلسة من الحرس، وكان هو مصدر معلوماتنا الرئيسي. وعلى أثر ذلك قمت بمهمتي التقليدية، حيث أبلغ زملائي الأسرى بصوت خفيض، حتى لا يسمع الحرس. هذه المرة كانت المهمة مختلفة، فالخبر كان تحرير الكويت. كنت أخشى أن يندفع الشباب في فرحهم، مما قد يغضب الحرس، وقد ينتقمون. لذا كانت رسالتي “أبشروا، الكويت تحررت، افرحوا بهدوء”، وهكذا كان، غاب عن فرحنا بالتحرير، الصخب والضوضاء والألعاب النارية، وحرية التعبير. أما داخلنا فقد كان فرحاً صاخباً. فما إن عبرنا الحدود، بعد أيام، عائدين للوطن، حتى انطلقت الحناجر لتعبر عن حريتها وفرحها.
بالحكم على النتائج، وبعد ربع قرن، لا أظن أننا تعلمنا الكثير من درس الغزو والتحرير، مع أنهما كانا منجم معرفة، وللحديث بقية.