في فيلم غموض وجريمة شاهدته مؤخرا يقوم 4 سحرة بعمليات خداع للسلطات الأمنية ينتج عنها في كل مرة نجاحهم في السطو على الأموال وحصد الغنائم مما يضطر الضابط الكبير الملاحق لهم الى الاستعانة بساحر متقاعد للقبض عليهم، ويخبره الأخير بأن أعمال الخداع كي تنجح تحتاج الى 3 عناصر مهمة، أولها الإلهاء، فعندما يلتهي المشاهدون بأمر ما على يمين المسرح يكون اللعب والنصب يطبخان على شماله، والثاني استغلال عامل الزمن بشكل لا يصدقه أحد، ضاربا المثل بساحر قام عندما كان طفلا بالطلب من احد الرجال التوقيع على ورقة لعب ثم قام بتخبئتها بين أغصان شجرة قديمة كي تنمو فوقها وبعد 15 عاما تحول الى ساحر (لاعب خفة يد) وطلب من الشخص نفسه ان يمثل دور مشاهد عادي في المسرح وأمام الكاميرات، حيث يدعوه وكأنه اختاره بالمصادفة ليوقع على ورقة لعب مماثلة يتم إخفاؤها بخفة اليد ثم يذهب الجمهور والكاميرات الى تلك الشجرة القديمة ويتم قطع أحد أغصانها ليكتشف وجود ورقة اللعب الموقعة، وبالطبع لا يمكن لأحد ان يتصور ان ذلك نتيجة لتخطيط وعمل منذ زمن بعيد، ثالث مقتضيات نجاح عمليات الخداع المهمة حسب قول الساحر القديم او الحكيم هو وجود ساحر خامس «خفي» يدعم نجاح عملهم، لا يتوقعه أحد (كأن يكون وسيطا دوليا او غيره) ونكتشف في نهاية الفيلم ان ضابط الشرطة المطارد لعصابة الأربعة هو.. اللاعب الخامس الخفيّ!
***
كان أمرا أقرب للاستحالة في الستينيات ان يتصور احد نجاح عمليات تشطير وتقسيم دول عربية مهمة اشتهرت بدعم شعوبها القوي لمشاريع الوحدة العربية، ففي تلك الحقبة وما قبلها كان هناك اتحاد هاشمي بين العراق والاردن ووحدة بين مصر وسورية انضمت اليها السعودية واليمن، وفيما بعد توسعت لتصبح مشروع وحدة مصرية ـ سورية ـ ليبية ـ سودانية، كما تحولت ليبيا من الوحدة الفيدرالية لأقاليمها الثلاثة لوحدة اندماجية، وكان السباق على أشده بين دعاة الوحدة الاسلامية والوحدة العربية ووحدة دول الهلال الخصيب وفيما بعد أنشئ مجلس التعاون الداعي لوحدة دول الخليج ومجلس الاتحاد العربي ومجلس الاتحاد المغاربي، فماذا جرى؟!
***
الوصول لما نرى هذه الايام من تقسيم واحتقانات طائفية وعرقية وتحول أشقاء الأوطان الى ألد الأعداء، حيث يحل سفك دمائهم وهدم ديارهم، اقتضى عملا طويل المدى تم من خلاله في أعوام 68 ـ 70 وعبر انقلابات متتالية، إيصال أنظمة قمعية حاقدة ومخادعة للحكم في عواصم الدول والشعوب الداعية للوحدة العربية، كحال ايصال صدام (68) والقذافي والنميري (69) والأسد (70) وسمح لهم بعمليات القمع الطائفي والعرقي الشديد لمكونات شعوبهم وزج الشباب في الحروب الداخلية والخارجية بدلا من التفرغ للتعليم، حيث لم يتقنوا إلا القتل والحرب، وتم معها سرقة مليارات الدولارات ووضعها في حساب الطغاة كجائزة لهم ولتأمين مستقبلهم والذين ستضمن عمليات الخداع اختفاءهم دون مطاردة.
***
وقام الطغاة جميعا إبان حكمهم الذي استمر لعقود بتحضير بلدانهم للحروب الأهلية والتقسيم عبر تخزين الأسلحة والذخائر في كل المناطق كي يسهل الحصول عليها من قبل الميليشيات المتناحرة لزوم الحروب والاقتتال، كما تم تجنيد زعماء حركات أصولية طائفية بالخارج وأعيدت لبلدانها كي تعيث فيها فسادا وسرقة والدعوة للفتن ومن لم يقبل الانضمام لتلك اللعبة تم قتله او عزله وإطفاء الأضواء الإعلامية عنه فلم يسمع به أحد، وبقي لضمان نجاح لعبة الخداع السياسي المدمرة القائمة هذه الأيام من يقوم بدور اللاعب (او اللاعبين) الخفي الذي يبطن غير ما يظهر ويدعي محاربة الميليشيات المدمرة وهو من يدعمها، فمَن ذلك اللاعب او اللاعبون الدوليون والإقليميون تحديدا ؟! اذا تمت معرفتهم أمكن بعد ذلك فقط إبطال السحر وإيقاف الخداع وعودة الهدوء والأمن لدول المنطقة.
***
آخر محطة:
(1) أحد المتطلبات الرئيسية للعبة التقسيم والخداع القائمة هو ضمان وجود عواصم ومدن كبرى (صنعاء، طرابلس الغرب، الموصل.. إلخ) تحتوي على مطارات وممرات تحت سيطرة دائمة لميليشيات الخراب والدمار لإيصال الأسلحة والذخائر لها وهذا هو السبب الحقيقي لمنعة وصعوبة تحرير تلك العواصم والمدن.
(2) أحد إشكالاتنا الحقيقية ان عقولنا بسيطة، حيث نقوم في العادة بضرب الكرة البيضاء بالحمراء لنسقطها بالخانة، بينما عقول من يخطط للمنطقة مركبة، أي يقوم بالتخطيط لضرب الكرة البيضاء بالخضراء لتضرب الزرقاء ثم الصفراء والسوداء ثم الحمراء لتسقط جميعا بالخانات المختلفة ويتم حصد عشرات المكاسب في وقت واحد.
(3) يمكن ضم الرئيس أنور السادات الذي وصل للحكم عام 70 بعد الموت المفاجئ للرئيس الداعي للوحدة العربية عبدالناصر وقام السادات بانقلاب مايو 71 بمساعدة الساحر الخفي هيكل، حيث أودع كبار المسؤولين المصريين من دعاة الوحدة السجون ورفع راية الفرعونية والقطرية المصرية وعادى جميع الدول العربية ووجه أقذع الشتائم للعرب!
(4) تكفل النظامان البعثيان في بغداد ودمشق وعبر جيوشهما بمحاولة تكفير الشعبين الكويتي واللبناني بأفكار الوحدة العربية الرائجة بينهما!