كنت أتوقع أن الإلحاد والشرك بالله انتهيا مع نهاية الاتحاد السوفيتي وثورة الشعوب السوفيتية على النظام الشيوعي وكفرها به، بعد أن عانت منه قرابة السبعين عاماً، ذاقت فيها الويل من تخلّف وفقر ونظام دموي لم يفلح إلا في صنع آلة القتل والدمار! إلا أن بعض زملائنا الكُتّاب ومدعي الثقافة، يأبون إلا أن يذكرونا بأفكار ماركس ولينين، اللذين تبنيا فكرة «الدين أفيون الشعوب»، فتراهم يحاربون الدين في كل شاردة لهم وواردة! وبالأخص الإسلام، الذي وضعوا مبادئه ودعاته نصب أعينهم، فبدأوا بالتشكيك في العقائد والأفكار، ويلتقطون تصرف شيخ هنا ومقالة شيخ هناك ليبنوا عليهما أفكارهم بتشويه الدين والدعاة إليه!
من الأفكار القديمة- الجديدة التي بدأ أحد هؤلاء الرفقاء إثارتها في أكثر من مقال، أن الدين لا تجديد فيه، وأن المسلمين يدّعون اكتمال الدين قبل 14 قرناً، إذن تكرار الأفكار الدينية سيكون مملاً، لأنها لا جديد فيها! وهذا طبعاً تشويه وتضليل مارسه عتاة الملاحدة منذ عقود. صحيح أن الدين اكتمل، لكن اكتماله في الأصول والعقائد والعبادات، التي ممكن أن نستخلص منها أحكاماً وقوانين مستحدثة، وتصلح لكل زمان ومكان. فإنكار الرسول- صلى الله عليه وسلم- لمن قَتل من قال أشهد «أن لا إله إلا الله»، ممكن أن يقاس عليه ما يفعله «داعش» اليوم من جرائم. وصلاة المسافر على الجمال، تقاس عليها صلاة المسافر على الطائرة. وحديث «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها»، يقاس عليه استخدام الأجهزة والأدوية والوسائل المستحدثة اليوم.. وهكذا ممكن من النصوص الثابتة منذ أربعة عشر قرناً، أن أستخلص رأي الدين في ما نواجهه اليوم من أمور الحياة وتطورها! وقد قال العلماء: إن الإسلام أرسى قواعد تصلح لحل كل مشكل في العصر الحديث، لعل منها قاعدة: «لا ضرر ولا ضرار»، وقاعدة: «كل ما ليس عليه أمرنا فهو رد»، خصوصاً في العبادات، وقاعدة «إنما الأعمال بالنيات…».. وهكذا، إلا أن مدعي الثقافة يجهلون كل ما يتعلق بالدين، ويستنبطون فهمهم مما يكتبه خصوم الدين عنه، كما نقرأ ذلك واضحاً في مقالاتهم، حتى عندما انتقد أفكار الشيخ الغنوشي، بنى انتقاده من مقالة لكاتب تونسي لم يذكر حتى اسمه أو مرجعه!
الغريب أنه ينتقد الإسلام بادعائه أنه يعطي هالة من القداسة على العلماء، وكنت أتمنى أن يعرّج في حديثه على المسيحية، ليخبرنا كيف تنظر إلى الراهب والبابا والقسيس حتى لا نسيء الظن ونتهمه باستقصاد الإسلام، ومع هذا يتجاهل النظرة الحقيقية للإنسان في المنظور الإسلامي- «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»- «والله لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد سيوفنا» – «لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها»- «القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار» – «اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» – «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»-…. إلى آخره من القواعد التي رسخها الدين قبل أربعة عشر قرناً، ليأتيني اليوم أحد الجهلة بالدين، ليقول إن الإسلام يتعارض مع حقوق الإنسان! ونراه في ذروة العدوان الإسرائيلي على غزة، وفي الوقت الذي كانت فيه جثث أهلنا المدنيين لا تزال تحت أنقاض القصف، يمتدح الديموقراطية وحقوق الإنسان في إسرائيل، ويلقي باللوم على المقاومة في تلك المجازر!
على الأقل «خلك» منصفا، وانظر إلى حقوق الإنسان في بلاد غير المسلمين، لتعرف كيف هي حقوق الإنسان عندهم واقعاً عملياً بعيداً عمّا أنت تهذر به! نظرة سريعة إلى ما تفعله ميليشيات إيران وطائرات بوتين في سوريا.. تعرف حجم الافتراء على هذا الدين.