ذكرنا في مقال سابق واقع المنطقة اليوم، من حيث تآمر الدول الكبرى عليها، وتوزيع نفوذها على الدول العربية وفقاً لمصالحها، ولعل أهم نتائج معرفة هذا الواقع هي أن هذه الدول لا أمان لها، وأنها لا تحترم مواثيقها ولا مبادئها، وأوضح مثالين هما ما يجري في سوريا، وكيفية تعاملها مع إيران؛ ففي سوريا سمعنا إعلان الدول الغربية غضبها على نظام الأسد الدموي، ومطالبتها بتنحيه، لكننا شاهدنا على أرض الواقع خلاف ذلك! شاهدنا تنسيقاً مع روسيا يسمح لها بالتدخل لحسم الأمور على الأرض لمصلحة النظام، الذي تسميه أميركا وحليفاتها بـ«الدكتاتوري». ورأينا كيف منعت هذه الدول بعض دول الخليج من مد يد العون إلى المجاهدين الساعين إلى إنقاذ سوريا من هذا النظام المجرم، واكتفت بتكرار موقفها المعلن من رفض التدخل الروسي! المثال الثاني في طريقة تعامل هذه الدول مع نظام كانت تصفه بالأمس بـ«النظام الأخطر في العالم»، وكان يسميها بـ«الشيطان الأكبر»، فإذا بها اليوم تبيع حلفاءها من أجله! فهل تغير نظام طهران بين عشية وضحاها؟! ها هو الولي الفقيه يملك الكلمة الأخيرة، وها هم المحافظون لا يزالون مسيطرين على مصالح البلاد والعباد، وها هي إيران مقبلة على انتخابات بعد شهرين، وقد رفضوا ترشيح 99 في المئة من الإصلاحيين، وقد نشرت منظمة «مراسلون بلا حدود» أن إيران في المرتبة 173 من أصل 180 دولة في قائمة حرية التعبير! ونشرت صحيفة لوموند أن إيران من أسوأ دول العالم في الحريات الصحافية، وأنها سجن كبير للصحافيين! ومع كل ذلك، يدوس الغرب على مبادئه من أجل مصالحه، فيفرج عن 32 مليار دولار من الأموال المجمدة؛ ليستدخلها مرة أخرى عن طريق شركاته والمشاريع التي ستنجزها مؤسساته التجارية والمالية في إيران!
نحن اليوم لا بد أن ندرك هذا الواقع جيداً، ونتعامل معه وفقاً لمصالحنا، كما هم يتصرفون وفقاً لمصالحهم. حان الوقت للأمة العربية والإسلامية أن تتحرر من تبعيتها للغرب، وأن تشكل كياناً مستقلاً بها، يحفظ لها أمنها واستقرارها، ويلزم الآخرين بالركض ورائها.
لو وجدت أميركا كياناً متماسكاً لتوجهت إليه، فنحن مجتمعين أهم لها من إيران، ولو وحّدنا كلمتنا في سياستنا الخارجية لتمكّن الغرب من التفاهم معنا، لكنه وجد كيانات متعددة وتوجهات متباينة وأنظمة بعضها يسهل انقياده كما يشاء؛ لذلك وجه بوصلته إلى من يسهل التفاهم معه!
اليوم جاء زمن الملك سلمان..!
اليوم تحاول المملكة أن تعيد شيئاً من الهيبة المفقودة إلى هذه الكيانات المتباينة، وتحاول أن توصل رسائل قوة إلى الآخرين، معلنةً أن الماضي تغير، وأننا كيان عربي إسلامي يجب أن يتم احترام مصالحه وخياراته.
إن عاصفة الحزم مبادرة خير في الاتجاه الصحيح، والحلف الإسلامي العسكري مؤشر على قدرة هذه الدول على تغيير مفاتيح اللعبة، ثم جاءت مناورات «رعد الشمال» لتعلن: إننا موجودون. ولعل كلمة الملك سلمان في افتتاح الجنادرية تصب في ما نصبو إليه عندما قال: «من حق السعودية الدفاع عن بلاد المسلمين».
لندعم المملكة في مسعاها، ولنوكّ.ل لها القيادة، ما دام أنها بهذه الروح الجديدة، فقد نتمكّن من أن نوقف هذا المخطط المدمر للمنطقة والمسمى «الشرق الأوسط الجديد»، الذي تنفذه اليوم إيران وميليشياتها في العراق وسوريا برعاية ومباركة أميركا والغرب.