بعض المفكرين والسياسيين عندنا يظنون أنّ الحرب في سوريا صراعٌ بين مصالح أميركا وروسيا! والحقيقة أنه اتفاق بين الدولتين الأقوى في العالم على توزيع مراكز النفوذ؛ فالأميركان أخذوا العراق، وعيّنوا إيران شرطياً يحفظ مصالحهم في المنطقة. وروسيا تبسط نفوذها في سوريا لتحقيق مصالح لها وللغرب لا يجهلها إلا العرب!
البعض يريدنا أن نصدق أن الصراع في سوريا صراع مصالح وليس ثورة شعبية ضد نظام طاغية، ويريد أن يستخف بعقولنا عندما يدعو إلى تسوية مع النظام، متجاهلاً مئات الآلاف من الضحايا وملايين المشردين؛ نتيجة فتك نظام بشار الأسد بشعبه!
المساواة بين الجلاد والضحية في الواقع السوري هي ظلم للشعب، وإهدار لدماء شهدائه التي سالت من أجل حريته وتخليصه من حكم طاغية.
هناك من يجلس بيننا ويطالب الثورة بإلقاء السلاح، بعد أن مالت الكفة هذه الأيام لمصلحة النظام؛ نتيجة زيادة عمل آلة القتل الروسية التي لا تفرّ.ق بين الحجر والشجر! بينما كلنا يعلم أن سبب هذا الترجيح في الميزان هو رفع العرب يدهم عن دعم إخوانهم الثوار والمجاهدين؛ بسبب طلب الأميركان ذلك منهم! والدليل أنه منذ اليوم الأول للتدخل الروسي في سوريا وأميركا تكتفي بتصريحات إعلامية تنتقد فيها قصف روسيا للمدنيين والثوار وترك ما تم الإعلان عنه من قصف لمعسكرات «داعش»!
نقولها بكل وضوح للغرب وحلفائهم من بعض أنظمتنا؛ لقد انكشفت لنا لعبة «داعش»، تلك الزمرة الفاسدة التي جلبتموها إلى المنطقة لتقسيمها؛ وفقاً لمصالحكم. وبحجة الحرب على «داعش»، تمكّنتم من قتل الطموح في النفس العربية التواقة إلى العزة والشموخ ورؤية الإصلاح يدب في كل مظاهر الحياة في مجتمعاتها. إنكم ترسلون مرتزقة «داعش» إلى كل منطقة تتحرك فيها العزة العربية؛ كي تدخلوها بحجة محاربة ذلك التنظيم، والحقيقة التي تكشّفت لنا أنكم تجهضون كل محاولة لإزالة الظلم عن الأمة المغلوبة على أمرها! ها هي طائرات الروس تدك معسكرات المجاهدين الساعين إلى إزالة النظام القمعي في سوريا، بينما «داعش» يسرح ويمرح كما يشاء! وها هي ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من النظام تمارس التطهير العرقي في الأنبار، بينما «داعش» يعلن إرسال قواته هنا وهناك!
واليوم، وبعد أن كاد الوضع في ليبيا يستقر وتوافقت القوى المتصارعة على حل جذري، تتحرك الخيوط نفسها لتعيد السيناريو نفسه، فتعلن أنها ستذهب إلى ليبيا لقتال «داعش» هناك! والهدف واضح.. إعادة الوضع إلى المربع الأول: الفوضى والانقسام!
مخطط رهيب ينتظر المنطقة: أميركا لها العراق تقسمه وفقاً لمصالحها، وروسيا لها سوريا تعبث فيها كما تشاء، وليبيا لبريطانيا وفرنسا تقسّمانها وفقاً لما تريانه.. والحبل «عالجرار!».
إذا لم يتحرك الخليج، الذي أصبح اليوم أمل الأمة الوحيد، لإفشال هذا المخطط الدولي، وإلا فالقادم أسوأ.
«كيف يمكن أن يتحرك الخليج؟».. هذا ما سنطرحه في مقال الأربعاء المقبل بإذن الله.