عندما انهارت الشركات والدول ضمن الكارثة الاقتصادية الكبرى عام 2008 وسطر الخبراء الغربيون الكتب والمقالات والأبحاث لمحاولة فهم وتوصيف وتأطير أسباب ما حدث، اختزل أحد الخبراء الصينيين المعروفين بالحكمة تلك الكارثة في كلمة «أو عدم الملاءمة MISFIT» وشرحها بأن سبب الكارثة هو قيام الشركات الكبرى في الغرب بأخذ قروض قصيرة الأجل لمشاريع طويلة الأجل فتم التناقض وحدثت ظاهرة عدم الملاءمة التي أدت إلى الانهيار الكبير.
***
من يقرأ محاضر التقرير القطري التاسع لحزب البعث والذي انعقد في بغداد في يونيو 1982 وكراس صدام المسمى بـ«نظرة في الدين والتراث» وقبل ذلك إعدام صدام للشيخ عبدالعزيز البدري صديق الرئيس أحمد حسن البكر دون علم الرئيس وإعدام الإمام محمد باقر الصدر وشقيقته بنت المهدي، ومثلها هدم قيادة حزب البعث السوري لمدينة حماة وإبادة علمائها، وكذلك قتل القذافي للقوى الإسلامية في الجبل الأخضر، يعلم أن في بدايات تلك الحكومات الشريرة تمت محاربة التوجهات الإسلامية لدى شعوب بلدانهم بشكل دموي، إلا أن المتابع لما حدث بعد ذلك يجد أن تلك الأنظمة قبل سقوطها أو قيام الثورات عليها بعدة سنوات سمحت بالعكس من ذلك تماما، حيث أطلقت سراح المتشددين وقام صدام ببناء أحد أكبر المساجد وسماه باسمه،وسمح الرئيس الأسد لشقيقه جميل بإطلاق لحيته وإنشاء جمعية المرتضى الدينية، كما سمح القذافي لابنه سيف الإسلام بإطلاق لحيته وإنشاء جمعية خيرية إسلامية عالمية، وانتشرت ظاهرة التدين حيث ندر أن تجد في العراق أو سورية أو ليبيا آنذاك امرأة غير محجبة كما تفشت اللحى عند الرجال ولم يكن ذلك مخافة من الله أو حبا في الدين والمتدينين أو لأهداف نبيلة خيرة عند تلك الأنظمة الشريرة الكافرة بل كان إعدادا محكما لخلق حالة «MISFIT» تمهد للثورات والفوضى غير الخلاقة اللاحقة بسبب التناقض الحاد بين ما تمثله الحكومات من توجهات علمانية وما تمثله الشعوب من توجهات محافظة.
***
وإن كان عدم المواءمة قد تم بقصد ولأهداف خافية لأنظمة بغداد ودمشق وطرابلس ولربما في مصر وتونس كذلك قبيل عام 2011، فإن هناك أمرا مشابها يحدث هذه الأيام دون قصد وبحسن نية لدى بعض الأنظمة العربية وحتى الخليجية من الأخذ بالتطور والمدنية والليبرالية في التوجه العام للدول بقصد اللحاق بعلوم وإنجازات العصر وهو أمر جيد، إلا أن الخطأ أن يصاحب ذلك المسار التنويري للحكومات الانغلاق التام والتخلف الشديد لدى الشعوب وهو ما خلفته أنظمة وتشريعات وإعلام ومناهج لا تواكب العصر وتحتاج إلى تعديل وتغيير باتجاه الوسطية والحداثة كي لا نواجه مستقبلا بمشاكل الـ «MISFIT».
***
آخر محطة: لا يمكن أن نصدق ونحن في القرن الـ 21 ما نراه على «اليوتيوب» من ترك ما وصلت إليه آخر علوم العصر والطب الحديث والتوجه لعلاج الأمراض الخطيرة والمستعصية بـ .. «شرب البول والاغتسال به»!