لا شك في أن للأسرة والمجتمع والمدرس دورا كبيرا في صياغة شخصية الإنسان، ومنهم الطغاة. فهؤلاء لا يولدون كذلك، ولكنهم يصبحون طغاة، بعد تقلدهم لمقاليد حكم هذه الدولة أو تلك. وفي العصر الحديث هناك عشرات الطغاة السيئين الذين حولوا الدول التي حكموها الى خراب، وتسببوا في قتل مئات ملايين البشر، وكانوا وبالا على شعوبهم والبشرية جمعاء.
تتطور شخصية الطاغية وتتأثر بآراء ومواقف من يحيط به من أعوان. وورد على لسان السياسي الليبي، عبدالرحمن شلقم، الذي يفترض أنه شخص مثقف ومخضرم، وفي مقابلة مع الجزيرة، قبل سقوط القذافي، وردا على سؤال حول مقارنة وضع ليبيا بسوريا في ما يتعلق بمسألة «توريث السلطة،» من أن الفرق بين النظامين كبير! فالحريات في ليبيا واسعة والانتقادات والصراحة في وسائل الإعلام الليبية معروفة! وأن معمر القذافي قائد وليس رئيس دولة، والقائد المبدع هو كالموسيقي أو الروائي المبدع
لا يستطيع توريث إبداعه لابنه. كما أن ابنه (سيف الإسلام) مهندس ومثقف وسيحصل على الدكتوراه قريبا، وهو رسام فنان، ويعطي جهده كله للعمل «الإنساني»، ويمكن أن يكون في أي منصب، فليس في ليبيا اي تفرقة. كما أن معمر القذافي قائد لا يقارن بأي نمط في اية دولة في العالم، وهو شخصية استثنائية، ومفكر ومثقف وله رؤية كاملة أكثر من الآخرين، وهو كقائد لا يمكن أن يأتي أحد بعده، فله خصوصية إبداعية ورؤية ثاقبة، وهذه لا تورث!
ولو قرأ أي إنسان، و«القذافي» ليس استثناء، هذا الكلام، وخاصة ممن عرف بسعة اطلاعه وثقافته، فيصدقه حتما، إن كان بعقل أو بغيره! وهذا ما حدث للقذافي وعجل في نهايته، خاصة أن تكرر ما يماثله من كلام من «مفكرين ومثقفين» آخرين، وفي مختلف وسائل الإعلام، ولن يستطيع الطاغية ان يمنع نفسه من تصديق ذلك، وانه حقا قائد وله رؤية إبداعية، حتى وإن لم ينل من الفهم والعلم إلا النزر اليسير!
مناسبة العودة لحديث شلقم يعود لإصداره الثاني عن حقبة حكم القذافي وعلاقته به. ولشلقم الحق طبعا في أن يقول ما يشاء عن زعيمه «الفذ السابق». وله الحق أيضا في أن ينقلب عليه تاليا، ويقود حربا دبلوماسية للإطاحة به، ولكن، بعد كل الذي قاله فيه، والمدح الذي كاله له، والألقاب التي اسبغها عليه، ما كان يجب أن ينسى كل تصريحاته ويعود عن سابق آرائه، ويؤلف كتابا يطعن في القذافي ويلحقه بثان، ويعدنا بثالث. فمن يكون ذلك الدكتاتور لكي يستحق كل هذه الكتابات عنه؟ أليس الحق على من سبق وان مدحه، وانقلب عليه، ثم كشف ما عرفه عنه؟
إن شلقم ليس ظاهرة فريدة، فالكثير من السياسيين انتظروا غياب «القائد الدكتاتور»، موتا أو سجنا، ليذكروا حقيقته.