في ظروف غريبة ظهر تنظيم داعش، رافعاً شعار التوحيد، وكما كان ظهوره غامضاً.. كانت انتصاراته المتتالية أكثر غموضاً. فقد كان النصر يُجهّز له ويُهيّأ، وكانت الغنائم تُجمع من دون قتال! وخلال فترة وجيزة من ظهوره، تمكّن من احتلال مناطق كافية لإعلان الدولة الإسلامية، وأعلن تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية؛ فاتجه إليه شباب مسلم كان يتطلع إلى رؤية دولة الإسلام، ومشاهدة الأحكام الشرعية على أرض الواقع. وبدأ تدفق الشباب المتعطش للدولة الإسلامية على سوريا والعراق، والانخراط في جيش الإسلام؛ ظناً منهم أنهم وجدوا ضالتهم: فإمّا حياةً تسرُّ الصديق، وإمّا ممات يغيظ العدا، أو بمعنى آخر: إمّا النصر وإمّا الشهادة! لكنهم سرعان ما اكتشفوا الحقيقة المُرّة والخديعة الكبرى: إنهم مجموعة عصابات وقطاع طرق ومجرمون يقودون جموعاً كبيرة من الشباب المسلم المخدوع في شعاراتهم، والذي كان صادقاً في توجهه ونيته، لكنه الآن وقع في الفخ ولم يعد قادراً على الخروج من مصيبته، لأنه إن حاول فإن مصيبته أكبر..!
استمر «داعش» في جرائمه في تشويه الإسلام والمسلمين، بدءاً بأسلوب معاقبة المخالفين لنهجه بالذبح ونحر الضحية وتصويرها بشكل احترافي؛ حتى يتحقق المطلوب من امتعاض النفوس واشمئزازها من الحكم الشرعي، وانتهاءً بالتفجير الانتحاري في الأماكن العامة في بلاد الغرب؛ حتى يتحقق المطلوب الثاني، وهو شيطنة المسلمين عامة والعرب المهاجرين خاصة! ولم ينسَ صانعو «داعش» ومبرمجوه تشويه صورة الحركات الإسلامية، الجهادية منها والمعتدلة في بلاد المسلمين، عندما بدأ يمارس جريمة قتل الركّع السجود في بيوت الله!
المراقب لـ «داعش» يدرك أنه أداة لتحقيق أهداف عَجَزَ التبشير النصراني والاحتلال الصهيوني عن تحقيقها، وهي تنفير غير المسلمين من الإسلام، وتخويف المسلمين من الجماعات الإسلامية الدعوية والخيرية. ولئن كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 سبباً لتحجيم العمل الخيري والتضييق عليه، فإن ظهور «داعش» وممارساته المرسومة بدقة تسببا في تحجيم العمل الدعوي ووقف انتشار الإسلام في المجتمعات غير الإسلامية.
ومن النتائج الطبيعية لهذه المجموعة الشيطانية أن المسلمين في بلاد الغرب، والذين ما جاؤوا إليها إلا بحثاً عن العيش الكريم وهروباً من جحيم أنظمة القمع والبطش في بلدانهم، أصبحوا ضحية لها، فقد سمعنا عن التضييق على المسلمين بعد أحداث باريس وإلغاء إقامات العديد منهم وطردهم، بل ومطاردتهم قضائياً، وها هي فرنسا بعد أن كانت مؤيدة لإزاحة بشار ونظامه ومتعاطفة مع الشعب السوري، تترك كل هذه المواقف وتتفرّغ للتضييق على المسلمين لديها! واليوم يقول المسلمون في فرنسا لـ «داعش»: شكراً «داعش»، فقد تحقق لك ما تريده بفوز اليمين الفرنسي المتطرف في الانتخابات، مما يعني المزيد من التضييق عليهم في أرزاقهم، بل والضغط على بقية الحلفاء الغربيين للانضمام إلى حملة تطهير أوروبا من المسلمين، وهو الشعار الذي رفعوه في حملتهم الانتخابية!
شكراً «داعش».. نقولها بحسرة وامتعاض ونحن نشاهد معاركه الوهمية في مناطق أهل السنة في العراق، وكأنه يقول لقوات التحالف الأميركي الغربي: تعالوا اقصفونا لنجلوا ويجلو معنا أهل السنة وليحل محلهم الإيرانيون عابرو الحدود! شكراً «داعش».. نقولها بحسرة ونحن نشاهد القنابل العنقودية الروسية تقتل الأطفال والنساء وتدمر المخبز الوحيد في حلب بحجة الكذبة الكبرى «الحرب على داعش»!
الحرب على «داعش» تم استخدامها بتوسع حتى في بعض دول الخليج، فصدرت التوجيهات بإنهاء إقامة كل من له نشاط دعوي أو خيري وعدم التجديد له، حتى وصل الأمر إلى تعميم خطب الجمعة الموحدة، ومنع الدروس وحلقات المساجد، وتوقيف الخطباء بالجملة، وتسفير الكثير من المحبين للجماعات الإسلامية؛ بحجة محاربة الإرهاب!
شكراً «داعش».. فقد عرفنا من صنعك، وأخرجك، ومولك، ثم أعلن للعالم أنه يحاربك!