شهد العالم سلسلة حروب كبرى متواصلة بين القياصرة الروس والسلاطين العثمانيين خلال الفترة الممتدة من القرن السادس عشر حتى بدايات القرن العشرين وقد منيت الدولة العثمانية بخسارة 6 حروب متتالية منذ حرب 1768-1774 حتى حرب 1877-1878 وقد خسرت خلالها بالتبعية الدولة العثمانية شبه جزيرة القرم وسيطرتها على مضيق البوسفور واضطرت لمنح الاستقلال للعديد من دول البلقان نتيجة لتلك الحروب.
***
وأحد الأسباب الحقيقية للحرب الكونية الأولى هو أطماع القياصرة الروس في أراضي السلاطين العثمانيين حتى ان روسيا كانت الطرف الثالث في اتفاقية سايكس ـ بيكو التي منحت بريطانيا العراق (الشرق) وفرنسا بلاد الشام (الغرب) وروسيا أجزاء من أراضي تركيا وفارس (الشمال) ولم يوقف اقتطاع روسيا القيصرية لحصتها الا قيام الثورة البلشفية فيها وبدء الحرب الأهلية بين الحمر والبيض!
***
وقد تسببت الحروب المتواصلة بين القياصرة والسلاطين إضافة الى الثورات الداخلية المتتالية فيهم، إلى إضعاف الدولتين حتى انهارتا في مثل هذه الأيام قبل مائة عام وتحولت روسيا الى التوجه اليساري الحاد على يد الشيوعي لينين، وتركيا إلى الاتجاه اليميني الحاد على يد العلماني أتاتورك، وقد ساهمت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وبين حلف الناتو وحلف وارسو في تعميق الخلافات بينهما، لذا لا يمكن فهم تعقيدات إشكال إسقاط تركيا للطائرة الروسية دون ذكر تلك الخلفية التاريخية.
***
آخر محطة: من المستغرب أن تغضب روسيا وتصعّد الاجواء بسبب إسقاط تركيا لطائرة عسكرية روسية اخترقت أجواءها، وانتهى الأمر بإسقاط الطائرة الشديدة القدم ومقتل طيار واحد، في الوقت الذي أسقطت فيه روسيا (الاتحاد السوفييتي سابقا) عام 1983 في وضع مماثل طائرة مدنية كورية جنوبية محملة بالركاب كونها دخلت بطريق الخطأ المجال الروسي وقد ذهب 269 راكبا ضحية لذلك الحادث، وقد أصرت روسيا حينها على ان لها كامل الحق في إسقاط اي طائرة عسكرية كانت أو مدنية تخترق الاجواء بعد تحذيرها.