حتى أكون منصفاً في تقييمي، أؤكد أنني لا أقصد التعميم فيما اطرحه هنا، بل حديثي على الغالب من الطرفين، فبعد حوادث التفجير التي هزت باريس مساء الجمعة، بادرت أغلب الدول والمنظمات والاحزاب الدينية واللادينية في العالم الى استنكار ما حدث ورفضه، الا ان البعض كان له رؤية تميزت عن الآخرين، خذ مثلاً، التيارات الاسلامية المعتدلة، كالاخوان المسلمين والمنظمات والاحزاب التي تسير وفقاً لرؤيتها، فقد استنكرت هذه التفجيرات وشجبتها، ورفضت ان تكون عقاباً لفرنسا على حروبها ضد المسلمين في مختلف بقاع الارض، لكنها في نفس الوقت اشارت الى ان هذا التطرف لم يكن وليد يوم وليلة، بل هو نتاج لتراكم الاحباط والقهر اللذين عششا في نفوس العرب والمسلمين طوال سنوات عديدة من سياسات الدول الغربية في المنطقه العربية، فالجيل الذي وُلد قبل ثلاثين سنة هو جيل النكسات السياسية والهزائم النفسية، وهو الذي شاهد كيف يتم قتل المسلم في مالي، وكيف يتم حرقه بقنابل النابالم التي تلقيها على قراهم الطائرات الفرنسية! وهو نفس الجيل الذي شاهد الشعب السوري يعيش أسوأ مراحل حياته، ويفقد الامل في مستقبل زاهر، بعد ان دمر النظام القمعي المدن على سكانها، حتى لم يبق. حجراً على حجر! من دون ان تتحرك الامم المتحدة بدولها دائمة العضوية الى إيقافه عند حده! هذا الجيل عاش محنة الشعب الفلسطيني، الذي يعاني منذ عقود من دعم اميركا واوروبا للنظام الصهيوني القاتل من دون مبرر منطقي لهذا الدعم، هؤلاء الغربيون هم الذين يكيلون بمكيالين في تبني مفاهيم العدل والمساواة، عندما يكون اليهود طرفاً في أي معادلة، فهم الذين يتبنون سلمان رشدي، وكل من يتعدى على ثوابت الاسلام أو يشتم نبيه أو يحرق القرآن، بينما في نفس الوقت يزجون بالسجون كل من لا يؤمن بمحرقة اليهود في ألمانيا! الشاب العربي الذي يعيش هذه الاحداث ماذا نتوقع منه غير الكفر بمفاهيم العدالة والديموقراطية، واعتبار كل من بيده السلطة متواطئ مع أعداء الامة ويفهم الاسلام وفقاً لما يبرر به أفعاله! فيتكون لدينا جيل متطرف في فهمه للدين وللحياة، ويكفّر كل من لا يوافقه هذه النظرة السوداوية، وان كان داعية الى الله!
اذاً دعاة الاسلام المعتدل يستنكرون أفعال التطرف ويرفضونها، لكنهم يشيرون الى اسباب هذا التطرف، حتى يتمكن من بيده السلطة من علاجه قبل ان يستفحل!
أما رفقاء الدرب من بني علمان، فهم لا يفهمون من هذه الحوادث الاجرامية الا شيئا واحدا: عليكم بالاخوان المسلمين، فهم وراء كل هذه الاعمال الوحشية! ويطالبون بتغيير المناهج الدراسية واقصاء رموز الاسلام المعتدل من المناصب الحيوية، وقمع المؤسسات الخيرية وتشويه رسالتها! المشكلة ان هذه التيارات تدرك تماماً مكمن المشكلة، لكنها تعتقد انها فرصة لضرب خصومهم السياسيين، واستعطاف الغرب بمشاركتهم النواح واللطم، لكنهم لا يذكرون في بياناتهم أسباب المشكلة وطرق علاجها! وهذا الفرق بين من يبني ومن يهدم!
***
توفي العم يوسف خالد المخلد.
توفي الرجل الذي أحب الكويت وأحبته، وأحب شعب الكويت وأحبه أهلها، توفي ابو احمد الذي تشرفت بمصاحبته فترة من الزمن في العمل البرلماني، فوجدت عنده خزائن الحكمة والمعرفة، بلغ السبعينات من عمره وهو ما زال يمارس عمله بروح الشباب، لم يستغل منصبه وعلاقاته وحب الناس له في التكسب، بل عاش عزيزا ومات عزيز نفس، فرحمك الله يا أبا احمد، وغفر لك وأسكنك فسيح جناته.