الشرق الاوسط القديم الذي سقط ولا يُعرف ان كانت دوله ستعود الى اوضاعها وحدودها السابقة كما ذكر رئيس الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه وأيده في ذلك رئيس المخابرات المركزية الاميركية جون برينار، هو الشرق الاوسط الذي نشأ بعد الحرب الكونية الثانية وكانت فلسفة الغرب في تكوينه هي تأييد الوحدة القطرية لدولة متعددة الاديان والطوائف والاعراق ومنع تفتيتها كوسيلة لمنع احتلال الاتحاد السوفييتي لها والاستقواء بمواردها كما استقوى هتلر بموارد الدول الاوروبية الصغيرة التي احتلها، ما مد أجل الحرب الكونية الثانية لست سنوات.
***
في نهاية الثمانينيات سقط الاتحاد السوفييتي ومع تغير وجوه الاعداء تغيرت الحاجة لبعض الاصدقاء فلم تعد هناك حاجة لوجود الدولة القطرية الواحدة الكبيرة المتعددة الاديان والاعراق أي إن تقسيم وتفتيت الاتحاد السوفييتي ساهم في تقسيم وتفتيت دولنا اللاحق، وقد سقط مشروع الشرق الاوسط القديم عبر احداث كبرى فصل بين احدها والآخر عشر سنوات كاملة، اولاها تم عام 1991 عندما رفض صدام بشكل غير مبرر انسحاب جيشه المدمر والمتهالك جراء شهر من قصف الصواريخ وطائرات B52 العملاقة له وانعدام وصول الغذاء وامدادات الوقود المصفى له فانهزم شر هزيمة في ام المعارك المخجلة وتلاها تلاعبه مع المفتشين الدوليين مما اضعف الدولة بعد ان اهلك جيشه وانقسم العراق في عهده – لا بعده – حيث لم يعد لصدام سيطرة على اجوائه او ارضه وبات شمال العراق وجنوبه يدار من قبل ثواره واهله.
***
بعد عشر سنوات هز العالم حادث دموي كان بطله هذه المرة الارهابي اسامة بن لادن وهو «غزوة منهاتن 2001» التي اعترف الفاعل بها عبر شريط مصور تركه سهوا في احد المخيمات وقد تسبب العمل والاعتراف في الحرب على افغانستان وفي نفس العام اي 2001 قامت مخابرات صدام بالتحالف مع المتطرفين الهاربين من حرب افغانستان وسقوط الطالبان وعلى رأسهم ابو مصعب الزرقاوي مما منح الغرب الذريعة لشن حرب 2003 على العراق وبدأ معها تحالف البعث – القاعدة بعمليات الاغتيالات والتفجيرات الطائفية التي فجرت العراق ومهدت بتفجير سورية بعد ان تحول تحالف البعث – القاعدة الى تحالف البعث – داعش.
***
وأتت المرحلة الثالثة بعد عشر سنوات من الثانية اي في عام 2011 عندما تسبب حادث بسيط في اقصى الارض بتونس لبائع خضار في انتحاره وكان قد سبقه بأشهر انتحار شباب آخرين دون تداعيات، ما حدث هذه المرة نتج عنه هرب الرئيس الفولاذي زين العابدين بن على وتساقط انظمة فولاذية اخرى كأنظمة مبارك والقذافي وصالح واهتزاز نظام الاسد «وانفصال جنوب السودان» وبدء انتشار التنظيمات الطائفية الارهابية التقسيمية من سورية شمالا الى اليمن جنوبا، ومن العراق شرقا الى ليبيا غربا مرورا بقلب العروبة مصر دون ان يعرف احد مصادر تمويل واسلحة تلك التنظيمات السرطانية المدمرة وسبب تحالفها السري مع الانظمة العسكرية العلمانية الفولاذية التي سقطت وهي التي تدعي كذبا التشدد في الدين!
***
٭ اخر محطة: في عدد مجلة «التايم» الاميركية الاخير تقرير يظهر ان تنظيم طالبان المتشدد قد قارب على السيطرة على 27 محافظة مما مجموعه 34 محافظة افغانية عبر تحالفه مع روسيا(!) مما يمهد لوضع قدم الدب الروسي الاخرى في مياه الخليج الدافئة بعد ان دفأ رجله الاولى بمياه البحر الابيض المتوسط وهو انجاز لم يحلم بمثله القياصرة الروس والسوفييت!