في بدايات القرن العشرين كان العرب يشهدون التنافس الحاد والشديد بين أكبر قوتين بالعالم آنذاك ونعني الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الفرنسية، وفي كل تنازع يقوم في المنطقة كان البريطانيون يصطفون مع طرف والفرنسيون مع الطرف الآخر حتى حدثت الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 ونشر البلاشفة الأوراق السرية للاتفاقات التي تمت بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، وإذا بالمتنافسين بالعلن يتواطأون سرا لاقتسام دول المنطقة فيما عرف لاحقا باتفاقيات سايكس ـ بيكو، هناك من يرى ان الأمر يتكرر مع بدايات هذا القرن، حيث تدعي قوى دولية وإقليمية العداء الشديد لبعضها البعض بينما تعمل سكاكينهم الحادة في تناغم عجيب لتقطيع ما تبقى من الأوطان العربية.. رجل المنطقة المريض!
***
إن ما نشهده بالعلن وفوق الطاولة من دعاوى عداء واختلاف بين بعض القوى والتوجهات يختلف تماما عما يحدث في السر وتحت الطاولة من تعاون وثيق وتوزيع أدوار يقصد منه تقسيم الأوطان العربية، مستخدمين ميليشيات طائفية وعرقية خارجة على الشرعية في العراق وسورية وليبيا واليمن يقوم عليها رجال استخبارات مرتبطة بالقوى الطامعة لتحقيق مخططات التقسيم والتفتيت والهدم والخراب والدمار وعبر إشعال الحروب وشلالات الدماء، ووقود تلك المخططات هم المتطرفون والمتشددون والمخدوعون من السذج وما أكثرهم في أوطاننا العربية التي ما ان تدغدغ الأذن حتى يختفي العقل!
***
لقد مهدت الثوريات التي زرعت أعوام 68 ـ 70 وما بعدها الى ما يحدث هذه الأيام عندما دمرت الجامعات والأنظمة التعليمية في بلدانها وأضرت بالسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية وزجت بالشباب في الحروب الأهلية والخارجية، كما نهبت أموال دولها وأسلحة جيوشها الثقيلة وسلمتها الى ميليشيات التخريب كداعش والحوثيين والنصرة وفجر الإسلام فأصبحوا أغنى وأقوى من الجيوش في ظاهرة غير مسبوقة بالتاريخ ولم يخرج من حساب تلك المخططات إلا إنشاء التحالف العربي الذي تسببت انتصاراته في الانحسار السريع لقوى صالح والحوثيين في وقت كان يفترض فيه ان يستمروا بالانتصار والتوسع كحال داعش وغيرها في الدول الأخرى، لذا ستتم محاولات تهريب أسلحة ضخمة للخارجين على الشرعية في اليمن وقد نشهد عمليات خيانة كبرى في محاولة لإعادة قطار اليمن لمسار الخراب والدمار المرسوم له.
***
آخر محطة:
(1) إذا ما ابتعدنا عن الغوغائية والتشدد غير المسنود بالقوة وتعلمنا من دروس
الـ 100 عام الماضية التي أضاعت بها شخصيات متشددة كالمفتي أمين الحسيني فرص حل القضية الفلسطينية بأقل الأضرار، نقول ان أفضل دعم للقدس هذه الأيام يأتي برفع الفتاوى المضللة التي منعت زيارتها فأضعفت أهلها وتسببت في تفشي المستوطنات، متذكرين ان القدس قد احتلت من قبل الصليبيين كما احتلت أغلب بلداننا العربية والإسلامية من قبل الانجليز والايطاليين والفرنسيين والروس ومع ذلك لم تصدر فتوى واحدة بمنع زيارة المساجد في القدس وغيرها إبان الاحتلال.
(2) علينا ان نشك في كل داعية يدعو لمقاطعة زيارة القدس كونه اما جاهلا او.. مشكوكا في أمره مهما كبر اسمه!