في لقاء صحافي مع رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد ذكر أن سبب توجه آلاف الشباب التونسي لبلدان النزاعات بالمنطقة هو «الفراغ الايديولوجي» عندهم والذي تملأه الحركات المتشددة بأيدلوجيتها المنحرفة، وهذا الفراغ الأيديلوجي هو المتسبب الأول كذلك في توجه الشباب الخليجي المنعّم الى ميادين القتال في افغانستان والشيشان والبوسنة والعراق وسورية وليبيا واليمن.. الخ رغم انهم أتوا من بلدان آمنة مرفهة يحلم أغلب شباب العالم بالعيش فيها.
***
والحقيقة أن الانظمة الخليجية المنجزة والاقرب للمثل والقدوة في محيطها الاقليمي والاسلامي ينقصها التنظير الايديلوجي والتنظيم السياسي الذي يستقطب شبابها ويجعلهم يشعرون بالانتماء، وهو حاجة فطرية وغريزية اذا لم تحققها الدولة لجأوا لغيرها من تنظيمات قومية ويسارية بالامس واسلامية سنية وشيعية هذه الأيام، لذا وجب خلق ايديلوجيا ومعها تنظيمات سياسية يقوم مفكروها ومنظروها واعلاميوها بشرح توجهات الدولة السياسية وإنجازاتها وطموحاتها المستقبلية للشباب ودورهم فيها وانهم ليسوا على هامش الحدث، بل في قلبه، وهو ما سيسد هذا الفراغ الأيديولوجي ويملأ اوقات فراغهم بما ينفع، ويجعلهم داعمين للدول والانظمة لا معادين لها وهادمين لأسسها، كما يمنعهم من الجري خلف توجهات سياسية ظاهرها رحمة وباطنها.. كل العذاب.
***
وتنقسم الساحة العربية الى توجهات انقلابية يسارية وقومية وتقابلها توجهات تثويرية اسلامية، والتوجهان يطمعان في السلطة والثروة ويستخدمان الانقلابات والثورات والحروب الاهلية للوصول الى مطامعهم الدنيوية، والتوجهان مجربان، وقد ساهما بشكل فعال في الدمار والخراب والتخلف وسفك الدماء الذي تعيشه دولنا العربية والاسلامية، وبالتالي فهما المشكلة، ولا يمكن ان يكونا جزءا من الحل او الحل كله، خاصة انهم لا يقبلون بالآخر وتسبب طغيانهم وقسوتهم ضد من لا ينتمي لهم في التقسيم والتفتيت والحروب الأهلية التي تعيشها دولنا.
***
إن الحل هو الأخذ بالمسار «التنويري» الذي لا يؤمن بالانقلابات والثورات وسفك الدماء، ولا يحاول انتزاع السلطة من الحكام والأنظمة، بل يسعى الى حث الانظمة القائمة على التعامل العادل مع الشعوب ودفع عجلات التنمية والتعليم والصحة والبنى الاساسية للامام والاخذ بإنسانية العلاقة مع شعوبها دون فرض نمط سياسي معين عليها، فكل الممارسات السياسية كالديموقراطية هي وسيلة لا غاية بذاتها ولا نفع من تحويل بلد متقدم في مؤشرات التنمية والشفافية والتعليم والصحة والرفاه والسلام الاجتماعي كحال دبي أو سنغافورة الى بلدان تسودها الفوضى العارمة والقتل والتهجير والدمار الاقتصادي كحال العراق والصومال بحجة ضرورة السير بها الى النهج الديموقراطي، فالديموقراطية تصبح في بعض الاحيان الدواء القاتل الأسوأ من الداء!
***
آخر محطة:
(1) ستبقى هجرة شبابنا للعنف والدماء في أوطانهم أو خارجها ما بقيت دولنا الخليجية والعربية والاسلامية دون أيديولوجيا تنويرية وتنظيمات تعكس ذلك التوجه السلمي الذي هو بمثابة الطريق الثالث بين التيارات اليسارية والتيارات الدينية.
(2) مصر والأردن والكويت والمغرب بحاجة ماسة وسريعة الى خلق تنظيمات تنويرية تؤمن بالفكر الجديد والسلام الاجتماعي والنهج غير الانقلابي كي تخوض الانتخابات البرلمانية به، وتوفر للأنظمة والحكومات أغلبية في البرلمانات دون الحاجة لإفساد الانتخابات.