مسألتان يجب التوقف عندهما: الأولى، تصدر خبر عن رغبة مجلس الوزراء بتقديم مشاريع قوانين لمجلس الأمة بصفة مستعجلة لمواجهة الإرهاب! لا حاجة إلى مثل هذا التشريعات ولا ضرورة لها مهما بلغ عنف الجرائم الإرهابية، فالثابت يقيناً سواء في الكويت أو في أي بلد آخر أن مثل تلك القوانين ستحد وتنتقص من حقوق وحريات الأفراد، بوجه عام، ويحدث أحياناً، أن يتقبل الناس مثل هذا الانتقاص من حقوقهم لبعض من الوقت، إلا أن واقع الحال في الكويت، يخبرنا أن لدينا “طفحة” (وفرة زائدة) من تلك التشريعات في قانون الجزاء وأمن الدولة والنشر، غير القوانين التي أقرت أخيراً فيما يتعلق بالنشر الإلكتروني، فأي تشريعات تريد الحكومة إصدارها أكثر من ذلك؟ وماذا بقي للأفراد من حقوق عامة أو خاصة ليست معرضة الآن للانتهاك؟!
نتذكر أن العبرة في مواجهة حوادث وظروف استثنائية لا تصح أن تكون بالتشريعات المستعجلة، التي عادة ما يتم “سلقها” وإصدارها كرد فعل عن حدث معين، وتأتي مناقضة للدستور ومبادئ العدالة، وإنما بدراسة معمقة متأنية، كي تحقق أهدافها الاجتماعية.
الدولة الآن بحاجة إلى عين أمنية ساهرة متيقظة، تتوقع غير المتوقع في منطقة قلقة تقف على رمال متحركة، وتشهد تأجج حروب طائفية غير مسبوقة في عصرها الحديث، وبمثل ظرفنا ليس لنا لمواجهة القادم، غير تعميق الوعي بالانتماء الوطني والإنساني، وتحييد المشاعر الطائفية والعرقية، وهذا لا يكون بالعبارات الإنشائية والكتابات الوعظية وحماسة اللحظة التي سرعان ما تهدأ، ويبقى، آخر الأمر، قانون جائر يجثم فوق صدور الناس سن في ظرف غاضب.
المسألة الثانية، هي محاولة البعض تذكيرنا بما مرّ على الكويت من حوادث إرهابية في ثمانينيات القرن الماضي، مثل الاعتداء على موكب الأمير الراحل جابر الأحمد، ومحاولات تفجير المنشآت النفطية والمقاهي الشعبية وخطف الجابرية، وكان أبطالها جماعات شيعية متطرفة أشعلت مواقف دول الخليج من الحرب العراقية الإيرانية نيران الطائفية التي لم تخمد جذوتها من موقعة صفين قبل ألف وأربعمائة عام.
كان ذلك إرهابا، واليوم نشهد إرهابا بصورة أخرى لا يختلف في محتواه الديني الطائفي عن الذي حدث قبل ثلاثين سنة. فهل يعني أن ما حدث في ذلك التاريخ يبرر جرائم الإرهاب اليوم… وهل ذلك التاريخ يفرض علينا أن نتقبل أبشع الجرائم السادية التي يقوم بها تنظيم داعش الآن، وهي جرائم غير مسبوقة في وحشيتها وجنونها…!
الإرهاب سيبقى مادام هناك بشر يعتقدون أنهم وحدهم الفرقة الناجية، وأنهم على حق وغيرهم على باطل، وإذا ظل هذا الفكر “المطلق” مهيمناً على قلوب وعقول البشر، فستظل جذور نبتة الإرهاب باقية في أرضنا العربية الإسلامية تتغذى من قهر الأنظمة الحاكمة، وتنمو من أسمدة وبقايا التخلف الحضاري.