قوافل الشهداء من السنن الإلهية التي تعبئ وجدان الشعوب بالفخر والتباهي والعزة والكرامة وتزودهم بالعزيمة والإصرار لمواصلة مسيرتها على خطى مبادئها بل وتمنح هذه المبادئ رونقاً قدسياً لا يقهر.
والعدو الداعشي بفكره المريض وجرمه الخبيث ودناءته التي تتدفق غباءً وضلالاً حقق للكويت والكويتيين هذا الفخر، وزادهم قوة وتلاحماً، بينما ألحق بنفسه وأدواته الخبيثة ومرتزقته المزيد من العار والشنار.
نعم قلوبنا دامية وعيوننا دامعة وأنفسنا حزينة على كوكبة من المؤمنين تناثرت أجسادهم الزكية بينما أرواحهم كانت طاهرة بالوضوء والصلاة والصيام، وفي بيت من بيوت الله وفي وضع هو الأقرب إلى المعبود في حالة السجود، وفراقهم كإخوة في الدين والوطن وكزملاء عمل أو جيران أو أصدقاء أو آباء وأبناء وأزواج وأجداد قد يترك جرحاً عميقاً لا ولن يلتئم حتى اللحاق بهم في دار اليقين.
ولكن هذه الدماء البريئة والنفوس الزكية زلزلت أركان بلدنا بزلزال الحب والوفاء والتلاحم والتعاطف، وهذه “القرابين” وضعت حداً لسنوات من النفخ في أبواق الطائفية والتحريض والفتنة، ونتمنى أن يستمر الشعب الكويتي في هذه الباقة الجميلة من الود والتراحم التي خففت هول المصاب وألم الفاجعة.
المجرم الشقي الذي ارتكب هذه الجناية العظمى لم يكن سوى أداة رخيصة ونتيجة طبيعية لتراكم خبيث من الفكر الضال ومدارس التعصب وثقافة الكفر والكراهية إلى جانب إهمال المؤسسات الحكومية، وعلى رأسها الأجهزة الأمنية وتقاعس الهيئات المعنية بالتربية والإعلام والتنشئة حتى أطلت رأس الأفعى في الكويت.
وما حدث في مسجد الإمام الصادق عليه السلام في منطقة الصوابر وقلب البلد من عمل إرهابي جبان هو ذيل هذه الأفعى الملعونة، وطالما وجد ابن ملجم في أحد المساجد وبحزام ناسف بتقنية حديثة، فمن المؤكد أن هناك طابوراً من هؤلاء المرتزقة المجندين للمزيد من الأفعال الإرهابية، ومن المؤكد أن مواد التفخيخ والتفجير متوافرة وأن خطط استهداف أخرى معدة.
الشعب الكويتي أدى ما عليه وسجل لوحة أصيلة من التلاحم وأبرز معدنه الحقيقي في الملمات وخلق جبهة وطنية قوية، وليس المطلوب منه أكثر من ذلك، ويبقى الدور الرئيسي على الحكومة لاستثمار هذا الغطاء الشعبي التلقائي والطبيعي في استئصال جذور آفة الإرهاب برموزه وأدواته وشخصياته وفكره وإثبات مسؤوليتها السياسية والدستورية والتاريخية، فهذه الحكومة بالذات أعطيت فرصاً لم تمنح لأية حكومة سابقة، فلا معارضة تشاكسها ولا مجلس تشريعي يناكفها ولا برامج تنموية تقودها ولا بؤر فساد تسد “بواليعها” ولا خدمات تطورها، فلتتصدَّ على الأقل لأمن البلد وأمان الشعب الذي بات يقتل في وضح النهار.
واليوم أصوات الطائفية خمدت والمحرضون على الفتنة اندسوا في جحورهم، وجميع المخلصين من أهل الكويت يقفون كرجل واحد خلف أي جهد لإبادة الإرهاب والإرهابيين، فمن أجل دماء شهدائنا امسحوا دموع الكويت قبل أن تنهمر المزيد منها، فالإرهاب لا دين له ولا مذهب ولا مدرسة، و”داعش” الجبان لن يستثني أحداً، وإن استهل جريمته بحق الشيعة، ولنا في العديد من الدول العربية والإسلامية عبرة تتجلى كل يوم، حيث يقتل المسلمون والمسيحيون بذات الطريقة الخبيثة!