ما ان وقعت أحداث مسجد الصادق حتى اتصل بي البعض، طالبا الكتابة عن الموضوع، وكأنني بحاجة الى من يحثني على أمر كرست له الكثير . وبالتالي لم يكن مستغربا استهجانهم، عندما لم يجد شيئا في اليوم التالي. والحقيقة انني كتبت، ولكن محرر القبس وجد لغة المقال غير ملائمة، فمنع نشره، وهذا حق لا نجادله فيه.
ولكني تساءلت، بعد المنع عن جدوى الكتابة في هذا الموضوع بالذات؟ فقد كتبت، كما كتب غيري الكثير عنه، ولكن أحدا، كما يبدو ، لم يقرأ ما كتبنا. كما سبق أن حذرنا وتوقعنا وقوع مثل هذه الكارثة الضخمة والدموية المؤلمة، ولكن لا من سمع ولا من أجاب، فطابع حكوماتنا العام هو إما عدم الاكتراث بما يكتب وينشر ، ربما بسبب تواضع قدراتها، واما لتفضيلها اتباع سياسة «الهون أبرك ما يكون»، وأن عين الأمن ساهرة، وأن الإرهابيين عندما يتحركون سنلقي القبض عليهم، وهم تحت المراقبة، وأننا نعرف عنهم كل شيء.
ما وقع في الكويت يوم الجمعة الماضي كان، من دون مبالغة، بحجم كارثة الحادي عشر من سبتمبر ، التي وقعت في أميركا. وبالتالي الموضوع لا يحتاج الى الكتابة عنه أكثر مما كتب، منا ومن غيرنا، فمصدر الإرهاب معروف، وزلزال التطرف الديني قادم لا محالة، وإيقافه ليس بالمستحيل، والعلة ليست في وقوع الحدث، بل في الجهل بمصدره، وبما يجب القيام به للحيلولة دون وقوعه ثانية، فالوقاية أفضل الف مرة من العلاج. هذا في الجانب الرسمي، أما الجانب الشعبي فقد كان رائعا وجميلا تلاحمه وتآزره، وكان مثيرا للفخر والإعجاب «الكلمات»، التي صدرت من مختلف الأطراف، حتى تلك التي كانت دوما السبب في سحق هذا المجتمع والسعي لتمزيقه ونشر التفرقة بين فئاته، ولكن إلى متى ستستمر هذه الروح الطيبة، وهذا التضامن غير المسبوق، وهذا الاستعداد للصلاة في مسجد الآخر ؟ لا أعتقد أن هذا سيستمر طويلا، بسبب طبيعة الأمور ، فالنسيان سيطوي في النهاية كل شيء، وسيعود كل طرف لخندقه.
ما نحن بحاجة اليه، بخلاف ما سبق أن تم الطرق له عن عفن المناهج، وعنف الخطاب الديني، هو أن نبدأ برحلة الألف ميل من بيوتنا، من أنفسنا، من أسرنا، وننبذ الحقد والكره للطرف الآخر ، فإن كانت الدولة عاجزة عن تحويل الكويت لدولة علمانية، فلم لا نسعى الى أن نكون علمانيين بتصرفاتنا؟ لماذا «يضرب» الذي يصلي في مسجد الآخر؟ لماذا نرفض اقتران بناتنا أو أبنائنا من اتباع المذهب الآخر؟ لماذا لا نرحب في ديوانياتنا بمن ينتمي للمذهب المخالف؟ لماذا لا نستنكر موقف الحكومة في رفض توظيف من ينتمون للمذهب الآخر في الكثير من الجهات الحكومية؟ لماذا تقتصر مساعدات بيت الزكاة والجمعيات المسماة بالخيرية على فئة واحدة؟
عندما ننجح في التغلب على هذه الصغائر ، ونرفض خطاب التطرف والجهل، حينها سنصنع مجتمعا جديرا بالاحترام. وإلى أن يأتي ذلك الوقت فإن «داعش» لنا بالمرصاد، وتضرب ضربتها ثانية وثالثة.