« ..أكد مجلس الوزراء على اتخاذ كل ما من شأنه اجتثاث هذه الآفة وإعلان المواجهة الشاملة بلا هوادة مع هؤلاء الإرهابيين دعاة التكفير والضلال، وأنه لن يقبل أبداً تهديد أمن الكويت وإرهاب أهلها وتعطيل مسيرتها، وأنه لن يسمح لبذور الفتنة أن تنمو في أرضنا الطيبة أو بتضليل الشباب المخلصين بالأوهام والافتراءات».
كلام طيب وسياسة حكيمة ولكن ينقصها أن تبدأوا بأنفسكم. نعم، ابدأوا بأنفسكم، فلم ينشر التطرف، صنو التدين، غير مؤسسات الدولة ورموز الحكومة. لم يشجع التطرف إلا إعلامكم، ولم تغرس في نفوس الناشئة البغضاء والكراهية إلا تربيتكم، ولم ينم الإرهاب لولا دعمكم وتشجيعكم. ابدأوا بأنفسكم إن كنتم صادقين، اخلعوا الجبة واحلقوا اللحية وتخلصوا من كل مظاهر دعم التدين وتزيين التزمت التي رافقت سياساتكم الإعلامية والتربوية منذ حل مجلس الأمة سنة 1976.
لا نلوم الوضع الحالي على ما جرى ويجري. فقد تم ورثة تركة ثقيلة وأوضاع عتية على التطويع. ولكن اسمحوا لنا بأن نلومكم على استمرار التساهل وعلى اقتفاء السياسة الخطأ في مجاملة التدين وفي مراعاة ضغوط وتصلب مجاميع التطرف والتزمت الديني والاجتماعي.
الكويت كانت، ومن المفروض أن تبقى أرضاً للتسامح. ولن يكون هذا بوجود حكومة تنحاز لدين ضد آخر، أو تفضل مذهباً على مذهب. أو تخضع لنفوذ جماعة عوضاً عن الخضوع لإرادة الأمة وقواعد ونظم الحكم.
منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، أي بعد الحل غير الدستوري الأول لمجلس الأمة، والنظام مرهون لمجاميع التخلف. ومؤسسات الدولة مجيرة لهم وخاضعة لتسلطهم وتوجيههم. كثير من تقاليد وعادات الانفتاح الكويتية تم طمسها وكبتها خدمة ومراعاة لما سمي بالصحوة الإسلامية. وكثير من البدع والانحرافات الدينية تم فرضها على الدولة والمجتمع تعزيزاً للتطرف وتأكيداً لنفوذ الجماعات الدينية المتشددة.
لا جدال في أن التطرف والتزمت قد ضرب جذوره مع الأسف بقوة خلال العقود الأربعة الماضية. الاعتراف بهذا وبجسامته يتطلب الاعتراف أيضاً بأن مجابهته لن تكون باللين وليس بالتساهل وليس بأخذ الأمور «حبة حبة».
المطلوب «انعطاف» حاد نحو التسامح، إلغاء كل مظاهر التدين «الرسمية» منها فقط، فمن يريد أن يتدين فهذا شأنه وقبل ذلك حقه. والتخلص من كل مظاهر النفاق الديني التي تبنتها الحكومات السابقة منذ حل مجلس 1976، ونعني هنا كل مظاهر النفاق أي كل ما استحدث من مظاهر وصور وفعاليات دينية لم تعرفها الكويت قبل 1976. في مقدمة كل ذلك تبني الدولة لليلة القدر، مسابقات تحفيظ القرآن، إطلاق سراح السجناء المتدينين «أكبر حماقة في تشجيع الإرهاب» وكل التحفيزات التي تبنتها الحكومات السابقة لنشر وتعزيز التدين.