ندرك جميعا أنه لا ذمة ولا دين ولا وطن للإرهاب، فهو حالة كامنة في نفوس أصحابها الخبيثة، وحين تصاب نفوسهم بها فإنها تمتلئ بسوداوية تنتزع منها كل قيم الإنسانية، فيكون قتل الناس وتعذيبهم وترويعهم مشهدا يطرب نفوسهم المريضة، ولكل منهم رداؤه التبريري ونوازعه التي يلتحف بها حينها، فهناك من يلتحف الدين -وهو منهم براء- وهناك من يلتحف الفئوية الخبيثة، وهناك من يتوشح رداء القضاء على ظلم المجتمع – وهو يعيش الوهم- وهناك من يسعى لإثبات النفس التي فشلت في كل المجالات – وهو هنا قد تنكب الطريق- وهناك من هو مأجور يبيع نفسه مقابل حفنة من المال، وهو خاسر للدنيا والآخرة.
وفي كل الأحوال، فإن مرتكب الإرهاب وجرائمه فردا أو مجاميع تجد نفسه مملوءة بالحقد والحسد ومعاداة الفرح والنجاح، يبتهج للخراب ولا تهدأ نفسه المريضة لاستقرار أحوال المجتمع والآخرين.
فالتنظير والفكر ليس لهما حقيقة في نفسه، إذ تحركه إحدى النوازع السابقة، ما يعني أنها حالة ملازمة للمجتمعات على اختلافها هناك.
إن العمل الإرهابي أيا كانت دوافعه أو نوازعه هو حالة شاذة ومحدودة، ينبغي عدم التهاون معها وتعقب مصادرها ومروجيها وأفرادها، لكن في الوقت ذاته يجب عدم إعطاء مروجيها مقاصدهم، من خلال تضخيم إمكاناتهم ووجودهم وتخطيطاتهم، فهم يسعون من خلال ذلك لبث الرعب والهلع المستمر بالمجتمع، وصولا إلى غايتهم النهائية، وهي اختراق المجتمع وزرع الفتنة فيه، كي تتكون مجاميع متعددة متضادة في المجتمع كل منها ينفذ في مواجهة طرف آخر في المجتمع عمليات تقتيل وتفجير، فيتحقق مرادهم أن يعيش المجتمع في دوامة الأعمال الإرهابية المستمرة، كما حدث في العراق مثلا.
ولذا فإن الوعي والمسؤولية يحتمان علينا إفشال مخطط مثل هذه الفئات الضالة الشاذة والقليلة، ما ييسر ويسهل محاصرتها واجتثاثها من المجتمع، أما إن أخطأنا التعامل معها، ووسعنا من حجمها وسرنا باتجاه ظواهر أخرى وأدخلناها في دائرتها، فنكون قد حققنا لمروجي الإرهاب غايتهم، حينما نحول المجتمع برمته مسرحا للفكر الإرهابي، ولعل أسلوب فرنسا في مواجهة عملية ليون الإرهابية نموذج للتعامل المحترف مع الحدث، حينما أعلن وزير داخليتهم والنائب العام هناك أن عملية ليون عملية محدودة، وليس لمنفذها شركاء.
إن جريمة مسجد الصادق الإرهابية تكشف أن هناك من يتربص بالكويت شرا ومن الخارج، وهؤلاء لديهم أفكار ومواقف شريرة، وسببه أن هناك من هو حاقد على الكويت، وأن هناك من هو حاسد لأهل لكويت، وأن هناك من لا يفرحه أمان الكويت، فالكويت بلد المحبة مع الاختلاف، وبلد التعايش مع التعدد، وبلد الوحدة مع التنوع، وبلد الحريات رغم بعض التجاوزات، وبلد الديموقراطية المؤرقة للآخرين، وأخيرا بلد الخير والرزق الرغيد، وذلك كله يفسر سبب وجور الحاسد والحاقد، ومن يتمنى زوال نعمة الأمن والخير والأمان، ولكن الله خيب أمانيهم والحمدلله. وحكمة القيادة السياسية وتماسك أهل الكويت حال دون اختراق الوطن المرصوص بنيانه.