حالة استقلال الكويت وما سبقها وما تلاها تعكس حالة مفيدة لكي نفهم كيف تنمو الدول وكيف بالإمكان أن تتراجع؟ كيف تنهض وكيف تخبو وربما كيف بالإمكان أن تستعيد عافيتها؟ طبيعة الكتلة الاجتماعية القائدة تحدد النتائج إلى حد كبير.
لم يحدث الاستقلال بلا مقدمات، كما لم يأت الشكل الديمقراطي فجأة كطرثوث صحراء، كما حاول أن يوهمنا البعض، بل سبقته تحضيرات ربما كانت قد بدأت منذ أواخر ١٩٥٢ وبدايات ١٩٥٣ حين تأسس مكتب الاستثمار الكويتي بلندن.
كان التجهيز الفعلي للاستقلال قد بدأ في ١٩٥٩ عندما بدئ بإصدار مجموعة قوانين للدولة كان أهمها قانون الجنسية في ١٩٥٩، وتمت الاستعانة بالشخصية البارزة عبدالرزاق السنهوري. وفي ١٩٦٠ أنشئت دائرة الفتوى والتشريع لتكون محطة إصدار تلك القوانين. وفي شهر مايو ١٩٦١ يبدو أن فكرة الاستقلال وتفاصيلها قد نضجت لتخدم مصلحة الطرفين. فبريطانيا أعلنت انسحابها من الخليج بعد ١٠ سنوات، فكانت الكويت الأكثر جاهزية لاختبار ما سيجري، والشيخ عبدالله السالم كان يدفع نحو الاستقلال منذ سنوات، وهكذا آن الأوان.
التالي هو حوار مهم حسب رواية طلعت الغصين، وتحققت مما جاء فيه من سير جون ريتشموند قبل وفاته في مقر تقاعده بمدينة درهام البريطانية.
الغصين: ماذا سيكون موقف الحكومة البريطانية فيما لو تعرضت الكويت لخطر من الخارج بعد إنهاء المعاهدة مباشرة؟
ريتشموند: ربما لن تستطيع الحكومة البريطانية القيام بأي عمل إيجابي دون العودة إلى البرلمان.
الغصين: إن ذلك قد يستغرق زمناً يكفي لأن تجتاح الكويت قوات أجنبية معادية.
ريتشموند: وماذا تقترح؟
الغصين: ليس لدي الحل.
ريتشموند: هل فاتحت الأمير بذلك؟
الغصين: كلا وإنما سأفعل ذلك عندما أجد الإجابة.
ريتشموند: دعني أفكر في الأمر.
وبعد عشرة أيام
ريتشموند: اتصلت بالمقيم البريطاني الذي تشاور مع لندن وقد رؤي أن أنسب طريقة بتبادل مذكرتين بين الحكومتين تتضمنان:
١) الموافقة على إنهاء معاهدة ١٨٩٩.
٢) وضع بند خاص بتوفير المساعدة للكويت، ولكن تصاغ بشكل عام دون ذكر المساعدات العسكرية وإن كان يشملها.
الغصين: لو افترضنا أن الكويت طلبت المساعدات العسكرية بعد تبادل المذكرتين، فهل تحتاج حكومتكم الرجوع إلى البرلمان؟
ريتشموند: لقد بحث المتخصصون هذا السؤال من زواياه القانونية واستقر الرأي بأنه لا حاجة للحكومة لعمل ذلك، لأن المذكرتين تشكلان اتفاقية عادية دون حاجة إلى تصديق البرلمان، أما المعاهدة فتحتاج إلى تصديق البرلمان.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، فمازال هناك المزيد من المشاورات مع الشيخ عبدالله السالم الذي غادر حينها إلى لبنان لقضاء إجازته الصيفية، والذي ربما لم يكن يتوقع أن ذلك الصيف سيكون الأسخن في تاريخ البلاد.