كما أن عمان في المشرق غير، فإن تونس في المغرب غير! فتونس كانت دائماً متميزة عن بقية الدول العربية، إنسانياً على الأقل، والفضل في ذلك يعود إلى مؤسس تونس الحديثة ورئيسها الراحل الحبيب بورقيبة.
ولد ابن المنستير عام 1903، وعزله زين العابدين ووضعه في الإقامة الجبرية عام 1987، ليموت بعدها بـ13 عاماً، دون ضجة.
تخرج الحبيب في كلية الحقوق بفرنسا، وعمل محامياً، ولكن سرعان ما انخرط في العمل السياسي، مطالبا فرنساً بالاستقلال. اعتقل ونقل من سجن إلى آخر ومن منفى إلى غيره، إلى أن غزت ألمانيا فرنسا فأعادته إلى وطنه، ومن هناك نفى نفسه إلى القاهرة، ليعود لتونس ويشارك في حرب الاستقلال، وليؤلف أول حكومة في عهد الاستقلال، ولكنه ألغى الملكية وعيّن نفسه رئيساً للجمهورية.
بالرغم من فضل الحبيب على تونس، فإنه ارتكب أخطاء فادحة تمثلت في انفراده بالحكم، ابعاد خصومه السياسيين، ورفض وجود أي معارضة، وأخيراً تنصيب نفسه رئيساً مدى الحياة، ورفضه الاعتزال حتى بعد شيخوخته! ولكنه من جهة أخرى أصدر تشريعات تقدمية إنسانية عدة جعلت من تونس دولة مختلفة في تعاملها مع المرأة، وهذا كاف ليجعلها شيئاً مميزاً. فقد أصدر قانوناً يمنع فيه تعدُّد الزوجات، ورفع سن زواج الذكور والإناث. كما أصدر قوانين إصلاحية تجعل من الطلاق أمام القضاء فقط. كما أصدر قانوناً يسمح بالتبني، ويسمح للمرأة بالإجهاض. ومنع الصوم الإجباري، كما منع في عام 1981 المرأة من ارتداء الحجاب.
مناسبة الحديث عن بورقيبة، الذي ظلم وظُل.م، أتت بمناسبة ما صدر من أقوال مؤخراً عن الرئيس التونسي الحالي الباجي السبسي في محاضرة ألقاها في واشنطن، وما ذكره من أنه يحترم حرية الملبس مثل النقاب، ولكن شريطة أن تبقى المرأة المنقبة في منزلها، مشدداً على أن المنتقبات مدعوات للكشف عن وجوههن إذا قررن المشاركة في الحياة الاجتماعية، والعمل. وجاءت دعوته على ضوء ما صدر عن مفتي تونس من أن النقاب ليس له أي صفة شرعية، وارتداءه مثير للجدل، وأن النقاب لا هو بالفرض الشرعي ولا هو بالسنّة، وأنه من حق الدولة تقييده إذا تعلّق الأمر بمصلحة البلاد، وأن النقاب عند جمهور الفقهاء ليس واجباً بالدين ولا هو سنة ثابتة، مستشهداً بأحاديث نبوية عدة مؤيدة لرأيه.
هذا في تونس، أما في الكويت، فلا تزال الحكومة الرشيدة عاجزة تماماً عن منع المنقبات، بالكامل، من قيادة المركبات، بالرغم من كل ما يكتنف مثل التصرف من مخاطر بشرية وأمنية. ويبدو أنها سوف لن تتخذ أي إجراء إلى أن تقع عملية إرهابية أو سطو مسلح من قبل «منقب»، وهذا ما لا نتمنى وقوعه طبعاً!