كانت ليلة غريبة، امتلأ فيها هاتفي برسائل غير مكتملة المعنى، تحمل كل منها استفساراً يخفي عتباً، إن لم أقل خيبة، كـ”مصالحة مع من يا بوسلمان؟”، و”ممكن توضح لنا شنو تقصد؟”، و”عسى ما شر؟”، وما شابه من الرسائل التي نفخت بطن الواتس آب ولم تشبعه.
المضحك أن ردودي على بعض الأصدقاء، عبر الرسائل، كانت تحمل علامات استفهام وتعجب أيضاً، من باب “داوها بالتي كانت هي الداء”، إذ لم أفهم المقصود، إلى أن أبلغني أحدهم الخبرَ: “تغريدتك في تويتر عن المصالحة أشعلت الخلاف بين المؤيدين والمعارضين”! أي تغريدة تقصد؟ وأي مصالحة؟ سألته، قبل أن أهرول مسرعاً لمشاهدة حسابي في تويتر، فلم أستطع فتحه… هنا أدركت أن أحدهم “حنشلَ” حسابي، وغادر به.
مباشرة سارعت بالرد على الجميع، عبر الواتس آب: “حسابي تم اختراقه، عمم”، ثم هاتفت القوات الصديقة للتدخل، فتحركت فرقاطاتها، وحاملات طائراتها، وألويتها المجوقلة، لاسترداد ما تم سلبه… ومازالت الحرب دائرة حتى اللحظة.
ولو أن هذا الاختراق تم قبل سنتين، على سبيل المثال، أي عندما كان تويتر سلاحاً نووياً فتاكاً، لملأتُ الدنيا ضجيجاً ونحيباً، لكنه اليوم لا يعدو أن يكون مدفعاً رشاشاً، بعد أن تناقص قدره كثيراً. والمدفع ليس بتأثير السلاح النووي.
على أن ما لفت انتباهي وزاد من حيرتي، هو طريقة “الهاكر” المخترق لحسابي، الذي لم يشتم الآخرين، باسمي، ولم يطعن في الأعراض، ولم يرتكب جريمة أمن دولة، ولا أي شيء من هذا القبيل، بل كتب تغريدتين، تحفهما العصافير والفراشات الملونة، فدعا إلى المصالحة وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء! وهو ما دفع أحد المغردين إلى التعليق: “الهاكر أعقل من الوشيحي”، وكتب أحد الأصدقاء: “لو أنني توصلت إلى هوية الهاكر لقبّلت رأسه ودعوته إلى وجبة عشاء”، وكتب صديق آخر ينتمي إلى نقابة “العقلاء” الفرحين دوماً بالأكل والشرب والنوم: “أرجوك لا تستعيد حسابك يا بو سلمان”.
واليوم، وبعد نحو يومين من اختراق الحساب وابتعادي عن تويتر، مكرهاً، أشعر بتحسن كبير في المزاج، لذا سأنضم إلى صديقي الذي وجه دعوة عشاء إلى المخترق، وسأتكفل بـ”الحلو والقهوة”، مكافأة له على إعطائي راحة إجبارية، قبل أن “أمحطه بالعقال” نتيجة مطالبته المخبولة بالمصالحة.