لو قلنا إن التطور والتحضر يقاسان بمدى قابلية أي شعب للتعايش مع الشعوب الأخرى، وقدرته على وضع اختلافاته الدينية والسياسية جانباً، لوجدنا أن المسلمين، بشكل عام، هم الأقل تطوراً وتحضراً بسبب عدم رغبتهم، أو ربما قدرتهم، في التعايش مع الآخر والتسامح معه. ولو نظرنا الى أهم وثيقة صدرت في التاريخ الحديث، وهو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقّعت جميع دول العالم عليه، من دون تحفظ، لوجدنا أن الدول الإسلامية هي الوحيدة تقريبا التي تحفّظت على بنود منه، وتلك التي لم تتحفظ لم تلتزم يوماً ببنوده أصلاً. وقد قامت الحكومة الجديدة في موريتانيا، العربية الإسلامية، بالتعهّد، في برنامجها الوزاري، بالقضاء على جميع أشكال العبودية في الدولة، بعد أن أصبح الأمر يشكل حرجاً لها. ومن أجل ذلك، أقيمت في نواكشوط، العاصمة، ورشة لوضع خريطة طريق للقضاء على جميع أشكال الاسترقاق العميقة، ولكن في اليوم الأول منه حدثت ملاسنة حادة بين وزير الإسكان، وزير العدل السابق، وبين رئيس «منظمة نجدة العبيد»، والمدافعين عن حقوق الإنسان، متهمين الحكومة بعدم الجدية في معالجة هذا الموضوع الشائك، الضارب في عمق التقاليد الموريتانية، الدينية والقبلية. فعلى الرغم من أن موريتانيا كانت آخر دولة وقّعت عام 1981 على اتفاقية تحريم الرق، فإنها عجزت عن التخلص من هذا العار، فحتى قانون منع الرق لم يتضمن عقوبات على مخالفيه. وقد دفعت الضغوط الدولية الحكومة عام 2007 إلى تقديم المخالفين للمحاكمة، ولكن لا يزال هناك، بنظر المراقبين، أكثر من 600 ألف من الأرقاء، أو %20 من السكان. ولكن الكثيرين لا يتفقون مع هذه النسبة، ففي تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة UNHRC ورد أنه على الرغم من العقوبات، فإن موريتانيا لا تزال تعاني بعمق من مشكلة الرق، وهو أمر واقع لا يمكن إنكاره. وما يمنع القضاء كلياً عليه، على الرغم من الجهود الحكومية، هو عدم معرفة الأرقاء بحقوقهم، وتفضيلهم البقاء في كنف سادتهم بسبب فقرهم وانتشار الأمية بينهم، وضرورة حضورهم للشهادة على أنهم أرقاء، حيث لا يسمح القانون لغيرهم بالشكوى من وضعهم، إضافة إلى أن أماكن انتشارهم يصعب الوصول إليها، وغير ذلك من أسباب.
وللعلم، فقد عرفت بعض دول الخليج، الرق حتى وقت قريب، ولم تتخل عنه إلا قبل نصف قرن تقريباً، ويقال إنها بضغوط غربية، وبريطانية بالذات، التي لولاها، وإعلان حقوق الإنسان، لكنا لا نزال نبيع ونشتري فيهم، ولكن يبدو أن الرق سيعود إلى المنطقة «ببركات» «داعش»، الذي تحظى «كل أفعاله» بتأييد الكثير من القيادات الدينية عندنا، إضافة إلى بعض «علماء الشريعة» الأجلاء، والأسباب معروفة!