لم يعد هناك استثناء خليجي تمثله الكويت في قضايا الحريات بصفة عامة وحرية الضمير تحديداً، أصبحت الدولة “حالها من حال غيرها”، فهي ليست أفضل من شقيقاتها الخليجيات أو العربيات (دول مثل لبنان وتونس أو المغرب أفضل منا بمراحل)، وعلينا أن نصمت ولا نتفاخر على غيرنا في دول الخليج بهامش حريات التعبير، فالقوانين القمعية التي فعّلت بكل كفاءة في السنوات الأخيرة مثل قوانين أمن الدولة والمطبوعات، والملاحقات السياسية للمعارضة، وهيمنة المصالح الخاصة، وسلطان قوى الفساد كلها، معاول هَدمت وسوّت بالأرض بناء الاستثناء الكويتي في حريات الضمير، وإذا كان الإعلام الغربي يشهد للكويت بهامش تلك الحريات، فأحرى به أن يراجع أدبياته على ضوء القوانين ومشاريع القوانين والأحكام الأخيرة.
كنا نتوهم أن سنوات ما بين 86 وحتى انتخابات مجلس 92 هي الأسوأ لحريات الضمير والصحافة، حين فرضت السلطة رقيباً في كل صحيفة وظيفته مراجعة كل ما يُكتَب قبل النشر، وبحكم الثقافة المحدودة لجهاز الرقابة في وزارة الإعلام وهيمنة الجهل بجهازها الإداري، كان أسهل الأمور أن يشطب الرقيب، لا فقرةً أو فقرات فقط من المقال أو الخبر، بل كل المقال أو الخبر، كان إعدام الفكرة كلها أفضل وصفة لتجنب أي “استنتاجات محتملة” نقدية للواقع السياسي قد يتوصل إليها ذكاء القارئ، كانت ممارسة الإعدام الفكري أسهل ما يكون عند “عشماوية” وزارة الإعلام التي خلقت في دولنا أساساً لتمارس دور الأخ الأكبر على عقول المواطنين.
كانت تلك السنوات الماضية وهماً في تقييم الحريات، فاليوم نحيا بوضع لا يقل سوءاً عن تلك الأيام، إن لم يكن أسوأ منها، ليس لدينا الآن الموظف الرقيب الذي كان يجر رقبة الكلمة قبل نشرها، بل لدينا قوانين وملاحقات تلاحق صاحب الفكرة والرأي في كل مكان، فازدحمت ساحات المحاكم بقضايا الرأي، وتوالت أحكام الحبس ضد معارضين سياسيين ومغردين، وأصبح الكاتب الجاد يفكر ألف مرة قبل أن يكتب كلمة واحدة، فقد تفسَّر على أنها تشكل مخالفة لقانون “دراكوني” مثل قوانين أمن الدولة، أو قد تضر بمصالح متنفذين أسبغت عليهم أثواب القداسة والحصانة من النقد، أو قد تهز الكلمة من معتقدات البعض في قناعاتهم الدينية أو السياسية…
وأخذت موسوعة التحريم والمنع تتضخم حتى أصبحث الصحافة الكويتية بلون واحد، فلا تكاد تفرق بين ما يكتبه زيد أو عبيد في الصحافة، فهي بطعم واحد وبلا نكهة، وأضحت ممارسة حرية التعبير عند جماعات التواصل الاجتماعي مثل اللعب بالنار، انتهينا اليوم، بأن حالنا وحال أشقائنا واحد، فلنصمت ولنتواضع قليلاً، فليس لدينا ما نفخر به.