تعد مصارعة الثيران في إسبانيا من أخطر الرياضات في العالم، داخل الحلبة الثور يرى من يرتدون محارم حمراء اللون أعداءه ويجب التخلص منهم، على اعتبار أن اللون الأحمر يهيج الثور.
هذه الرياضة جعلتني أفكر قليلا وأطرح تساؤلا: لماذا يغامر هذا المصارع بحياته في حلبة يتسيدها ثور هائج لا يعرف الرحمة؟!
رغم كثرة ضحايا هذه اللعبة المجنونة، إلا أن معظم الانتصارات على مر السنوات كانت لصالح المصارع، هنا أدركت أن هذا التحدي كان ولا يزال يمثل التحدي الحقيقي بين عقل الإنسان وقوة ردود الفعل وإن كانت تتمثل بثور هائج.
أثناء متابعتي لتلك الرياضة المثيرة أيضا أدركت أن هناك نوعين في الحلبة السياسية، الأول من يعتمد على ردود الفعل ويعتمد على التعاطف الشعبي والفزعات المؤقتة ويثير هيجانه بلا قيود من دون أن يرسم طريقا حقيقيا للنجاح يستفيد منه المجتمع، والثاني هو من يخسر مرة ومرتين وعشر مرات، حتى يدرك أن التخطيط السليم واستخدام العقل هو العامل الأول للنجاح من تحقيق مصالح عامة للمجتمع.
الحلبة السياسية بحاجة إلى مصارع يحمل تحديا حقيقيا من خلال امتلاكه لإمكانيات تكمن في قدرة العقل على تحقيق النجاح، أما أسلوب القوة التي تتمثل في الثور الإسباني، والتي دائما ما نرى هيبته أثناء دخوله للحلبة وبعد معركته مع العقل نرى هذا الثور ما هو ألا فريسة سهلة لعقل المصارع الذي عرف كيف يتعامل مع قوة الثور الهائج ومن ثم ينتصر.. هنا نفهم أمرا رئيسيا هو أن العقل دائما ينتصر على القوة مهما كانت شراستها وهيجانها واتباعها.
كما نعلم لكل فعل ردة فعل، هناك للأسف من حول الحرية إلى انتقام من خلال الإساءة للآخرين بحجة أنهم شخصيات عامة، وهذا الأمر طبعا مرفوض ولا نقبل الإساءة بحجة الحرية، لأن الحرية المسؤولة تكمن في الانتقاد الذي لا يخرج عن إطار الأدب والاحترام، وللأسف كانت ردة الفعل غير منصفة ولا يتقبلها عقل عندما نرى تشريع قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية تغلظ العقوبات إلى أن تصل إلى عشر سنوات سجنا، وكأن هذا القانون وضع لتكميم الأفواه، رغم أن قانون الجزاء يفي بالغرض القانوني ويعاقب كل مسيء.
هذا لا يعني أنني ضد التشريعات التي تنظم القصور أو الفراغ التشريعي في بعض القضايا، ولكن أنا ضد تشريعات باطنها تهدف إلى الحد من الحريات التي منحها لنا الدستور، والهدف منها النيل من الخصوم، وعلى النواب أن يدركوا تماما أن هذه التشريعات قد تكون يوما ما ضدهم إذا تغيرت التوجهات السياسية.
كل ما نريده من أهل السياسة في كل القضايا أن يبتعدوا عن ردود الفعل الانتقامية الفاشلة، وأن يقتدوا بالمصارع الذي يصارع الثور الإسباني بعقله ليحقق الانتصار.