يوجد فساد في كل الأنظمة، حتى الديموقراطية منها، والاختلاف يكمن في درجة عمق الفساد وحجمه. ولا شك في أن الجهات الأكثر فسادا هي الحكومية، ومن بعدها الشركات المختلطة الملكية أو الجهات التي لا يوجد لها مالك واضح، مثل مؤسسة التأمينات والجمعيات أو المبرات، المسماة الخيرية، علما بأن نصوصاً دينية تعطي القائمين على هذه الجمعيات حقّاً في نسبة من أموالها.
لقد كنا، ولسنوات، من اكثر من كتب عن الفساد المستشري في كثير من هذه المبرات والجمعيات، التي سميت بعضها زورا «الخيرية»، ضمن غالبية تعمل بكل استقامة. كما انتقدنا كثيرا إصرار السيئ منها على العمل في الخارج بدلا من الداخل، ربما لضعف الرقابة هناك. ولم تنتبه وزارة الشؤون لكل تحذيراتنا إلا مؤخرا، ولكن بعد أن طارت طيور المشرفين على معظم هذه الجهات «الخيرية» بمليارات الدولارات على مدى ربع العقد الماضي. ونعتقد أن جزءا من تلك الأموال المنهوبة قد ذهب لتمويل الحركات الجهادية الإرهابية في أفغانستان والشيشان، وبعدها ذهبت، ولا تزال، لتمويل نفس نوعية العمليات في العراق وسوريا. وبالتالي جاء قرار مجلس الوزراء الأخير بتنظيم عمل الجمعيات الخيرية متأخرا كثيرا، ولكن أن يأتي مثل هذا القرار، بعد إغلاق %24 من الجمعيات خير من ألا يأتي أبداً.
ونتطرق في هذه العجالة الى السرقة الكبيرة التي تعرضت لها إحدى الجمعيات، التي تخصصت في توزيع الحصى على مرضى المستشفيات للتيمم بها، التي سبق أن اتهم محاسبها، وربما بتواطؤ داخلي، بسرقة اربعة ملايين دولار تقريبا من حسابها المصرفي، من دون ان «ينتبه» اي من مجلس إدارة الجمعية للسرقة، على الرغم من أنها جرت على مدى اربع سنوات. وقد قُب.ض على المتهم في إحدى الدول الخليجية وتحدينا الجمعية يومها، في أكثر من مقال، أن تسعى لجلبه، وتنفيذ ما صدر من احكام بحقه، ولكن ظننا كان في محله، حيث لا يزال المتهم في الخارج.
كما يدور لغط حول مشاريع الجمعية في تركيا، ودورها في «الداخل السوري»، ولا ادري ما الذي أوصلها الى هناك، والحاجة لها في الداخل أكبر بكثير؟! فهل من حق الجمعية العمل خارج نطاق الدولة، وهل يسمح نظام تأسيسها بالتدخل في السياسة، وإصدار عشرات الشيكات، وبالملايين لأشخاص غير معروفين؟! علماً بأن نشاط الجمعية محليا يمكن اختصاره في ما تطبعه من ملصقات وما توزعه من كتب دينية وأدعية تصب في مصلحة الاتجاه السياسي الذي تنتمي اليه، إضافة الى ما تضعه من شعارات دينية في غرف المرضى، وتقديم المساعدة المادية للمنتمين الى فريقها الديني فقط.