الى حد ما، منذ الحل غير الدستوري الاول لمجلس الامة سنة 1976، وهناك تدمير مقصود وتدمير ايضا غير ارادي للبلد، لمؤسساته ولاركانه ولقواعد الحكم فيه، الحكومة عملت بهمة لتدمير البنية التحتية، او في احسن الاحوال الابقاء عليها من دون تطوير او تحسين، عرضة للتهالك والعجز بفعل عملية التقادم، الى درجة يمكن القول انه منذ ذلك الحل، اي منذ 1976، وشيء لم ينجز في البلد. طوال العقود الاربعة الماضية نحن نتعيش على الماضي، ونستهلك ما انجزه الرعيل الاول.
وعندما بدأت الحكومة في التوجه نحو تطوير وتحسين اداء المؤسسات العامة، برزت لنا مجاميع معارضة «جديدة» تمسك بتلابيب الحكومات، وتجبرها على استمرار سياسة الردة او اللاحراك. ولعل افضل مثال على ذلك سياسات تنظيم املاك الدولة، والخصخصة والتصدي للمشاريع الانتاجية، كمشروع «الداو كيميكال». ولم تكتف هذه المجاميع بالضغط واجبار الحكومات المتعاقبة على مواصلة السياسة القديمة في إضعاف البنى التحتية ومواصلة تدميرها، بل سعت هذه المجاميع وباصرار غريب عجيب الى تدمير البنى الفوقية، والنيل من القوانين، والعبث بالدستور، والاستهتار حتى بالقيم التقليدية التي توارثها المجتمع.
وتولت هذه المجاميع ارساء اعراف وتقاليد جديدة حلت بديلا للقوانين ولما توارثه الكويتيون من قيم وعادات، في وقت غياب القوانين والاحكام الدستورية. هذه الاعراف الجديدة نسفت القوانين وعطلت الدستور، وارست سياسات جديدة تخدم بشكل اساسي التوجهات والطموحات السلبية لمجاميع المعارضة.
اي ان الحكومة دمرت البنية التحتية، والمعارضة دمرت البنية الفوقية. فلا قوانين تطبق ولا احكام تنفذ ولا حتى تراث وتقاليد تُتبع. طبعا سيكون الى حد ما سهلا اعادة بناء البنى التحتية وتجديد المؤسسات المتهالكة. لكن سيكون صعبا جدا استعادة البنى الفوقية او حتى ترميمها. فتجاوز القوانين او إصدار الاحكام من دون سند او دليل اصبح حقيقة واقعة مع الاسف في المجتمع. والتشكيك بالمشرعين او القضاة تحول الى شيء مفروغ منه، بل وحتى صعب التصدي له او تفنيده. وفي ظل اوضاع مثل هذه، الى جانب التحديات الاقتصادية والاجتماعية الحالية، ستكون اعادة الاعمار مهمة طويلة وشاقة، ان لم تكن اصلا مستحيلة.