جاءت نتائج الانتخابات بما لا يهوى حزب العدالة والتنمية، الذي يحكم تركيا منذ عام 2003، لتمنعه من تشكيل الحكومة منفرداً، وتبدد حلمه بعمل استفتاء للتحول إلى النظام الرئاسي بدلاً من النظام البرلماني الحالي، بعد أن حصل على نسبة %41 من الأصوات.
رغم ذلك الإخفاق الواضح، والذي ربما يقود البلد إلى حالة من عدم الاستقرار مؤقتاً قد تنتهي بإجراء انتخابات مبكرة، فإن هذه الانتخابات حملت العديد من المكتسبات التي يمكن تلخيصها في ما يلي:
1 – لم يعد الشأن التركي أمراً هامشياً في العالم، وبالأخص في منطقتنا، بل أصبحت الأنظار تتجه إلى تركيا، وتتابع ما يجري فيها باهتمام بالغ، وهذا يعكس مدى الأهمية التي اكتسبتها تركيا في السنوات الأخيرة، والانتقال من الهوامش إلى المنطقة المركزية في الساحة الدولية.
2 – سقوط «البروباغندا» المضادة لأردوغان وحزبه بأنه سلطوي واستبدادي، فقد اعترف الجميع بالنتيجة، وقبلوا بها، بعيداً عن التزوير، فهل هناك مستبد يحصل على %41 في الانتخابات؟ وهل هناك مستبد يعجز عن تشكيل حكومته منفرداً؟! اسألوا بعض التجارب العربية!
3 – دخول الأقليات في دائرة التمثيل والمنافسة والتأثير، وهذا يعطيهم شعوراً بأهميتهم، ويحمّلهم مسؤولية المشاركة في بناء وطنهم، واندماجهم فيه، بعد أن كانوا يشعرون بالتهميش والتجاهل، ومن المفارقات أن أردوغان لعب دوراً رئيسياً في إدماج الأكراد في المجتمع التركي، وفي الوقت نفسه كان التراجع الذي طال حزبه بسبب ذلك الإدماج الذي فتح للأكراد بوابة الدخول إلى عالم السياسة.
4 – تراجع حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ ما يقارب 13 عاماً، واعترافهم بالنتيجة، عززا فكرة مرجعية الصندوق، وأن المعارك السياسية مهما كانت ضارية فإنها تُحسم سياسياً، وبأدوات ديموقراطية، بعيداً عن الانقلابات العسكرية، والتغيير بالعنف، وتزوير الإرادة.
5 – عدم حصول حزب واحد على أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة، وفشل التجارب السابقة في تشكيل حكومة ائتلافية تستمر لـ 4 سنوات، مما يدخل البلاد في حالة من عدم الاستقرار، أمر يساهم في دعم فكرة أردوغان بالتحول إلى نظام رئاسي، ليتمكن الرئيس المنتخب من تنفيذ برنامجه خلال فترته الرئاسية.
من الواضح أن هناك أطرافاً تتربص بتجربة حزب العدالة والتنمية، ومهتمة برصد وتضخيم الإخفاقات والتراجعات، لتشويه التجربة في عين المتابع العربي، ومن هذه الأطراف:
1 – قوى الثورة المضادة التي انقلبت على خيارات الشعوب، ودعمت عودة أنظمة ما قبل الربيع العربي، لاعتقادهم بتأثير هذه التجربة الديموقراطية في وعي المواطن العربي، مما يدفعه إلى المقارنة بينها وبين واقع الأنظمة التي يعيش في ظلها.
2 – العلمانيون العرب الذين يرون أن هذه التجربة تصب في رصيد الأحزاب الإسلامية، وتساهم في إنضاجها، وفي الوقت نفسه تكشف فشل الأحزاب العلمانية التي قادت تركيا والدول العربية لعقود طويلة من الفشل والتخلف.